حصل لكم من ضرر فأنا المسؤول عنه. فاستوثقنا من كلامه وأقر بهذا الكلام أمام الشيخ وجمع كبير من الحاضرين ، فركن قلبنا من طرفه وكثر أملنا وحالا عزمنا على الرحيل برفقته. فقال لنا الخوري موسى : يا أولادي ، الرأي عندي أن لا تأخذوا معكم كل رزقكم ، لكي لا يحصل عليكم طمع. فخذوا بعضه وأبقوا الباقي عندي ، فإن بعتوه واحتجتم إلى شيء من البضائع ، اكتبوا إلي واعلموني بالأشياء التي تريدونها ، وأنا أرسل بها إليكم. فرأينا أن هذا القول هو عين الصواب ، فأخذنا من كل صنف شيئا قليلا وحزمنا الكل ووضعناه في صندوق. وأما نوفل فإنه استأذن بالرجوع إلى بلده حمص ، فأعطيناه أجرة وافرة ووهبناه شيئا من المال (١) ، ثم استكرينا جمالا من أهالي القريتين ، وصباح اليوم الثاني ودعنا الأحباء ، وركبنا على الجمال ، وكان ذلك أول مرة نركب على جمل. وأخذنا ما يكفينا من الماء لأن الطريق من القريتين إلى تدمر لا يوجد فيها ماء. فسرنا إلى المساء مدة عشر ساعات ، وكان مسيرنا نحو الشرق. فنزلنا في أرض يقال لها الدّوة ، وكان بالقرب منها ، في وسط السهل ، برج عمارة قديمة يسميه العرب وأهالي تلك القرى قصر ابن وردان (٢). فهذا اسم كبير القوم الذين كانوا يقيمون في هذا البرج ، من طرف حكام الشام الأروام ، لكي يتنسموا أخبار العجم خوفا من أن يدخلوا بلادهم ويفسدوها. فلهذا السبب بقي اسمه قصر ابن وردان ، وهو من العمارة المتينة جدا ، على هيئة ما كان يبنى قبل ظهور البارود. فبتنا تلك الليلة وكان البرد شديدا ، واليوم الثاني قمنا ركبنا على الجمال قاصدين المسير. إلا أن الشيخ إبراهيم كان غشيما ويجهل كيف يكون الركوب على الجمل. فحين علا على ظهره قام الجمل بسرعة ، ووقع المسكين على الأرض مغشيا عليه وانخلعت رجله. فنزلت ونزل كل من كان معنا ، ورفعناه عن الأرض وربطنا رجله وأركبناه من جديد ، وسرنا على اسم الله. فبعد مسيرنا بساعتين فقط ، وإذا الغبار يتصاعد من صدر البرية آتيا نحونا. وفي قليل من الوقت كلمع البرق اقترب منا ستة رجال على الخيول مسديدين الرماح وقاصدين سلبنا. وما كان سلامة كسلان ٢ / ١٥ فرمى الفروة / من على ظهره ، وأخذ رمحه بيده وطار مثل لمح البصر نحو القادمين ، حتى اقترب منهم وصار أمامهم. فوقفوا عندئذ وأخذوا يتكلمون مع بعضهم بعضا حصة قليلة ، ثم شنوا الغارة علينا مرة ثانية ، فلحقهم سلامة وقطع عليهم الطريق ، ووقعت الحرب بينهم وبين
__________________
(١) «بخشيش».
(٢) هذا من أوهام الصايغ لأن قصر ابن وردان يقع شمالي شرقي حماة ، على نحو خمسين كيلومترا من هذا البلد.
أما البرج الذي يصفه هنا فهو قصر الخير الغربي.