وظهر الربيع ، وأخضر وجه الأرض بالحشيش ، وصارت الأخبار عنهم تصلنا ، وكل يوم كانوا يقتربون أكثر إلى نواحي بلاد سورية.
ثم في أحد الأيام حضر واحد بدوي إلى القريتين يقال له سلامة النعسان ، من قبيلة اسمها العمور ، قبيلة صغيرة تحتوي على نحو خمس مئة بيت ، شيخها اسمه سلطان البرّاق ، متحضرة بالنسبة إلى غيرها ، ولها صلات متواصلة مع أهالي حماة وحمص ودمشق ، فتبيعهم ٢ / ١٤ غنما وسمنا وجمالا ، ولها أيضا شركاء في البلاد. وحين / تشرق القبائل الكبيرة في الشتاء ، فإن عرب العمور لا يبعدون كثيرا وهم لا يتجاوزون حدود الزور وشاطئ الفرات ونواحي تدمر ، ويحضرون قبل جميع العرب إلى نواحي البلاد.
فهذا البدوي سلامة الذي ذكرناه كان قتل واحدا من أهالي القريتين من قبل ثماني سنوات ، وظن أن القضية قد نسيها الناس. فدخل القرية وذهب عند الشيخ ليسلم عليه ، على حسب عوائدهم. فسمع به أهالي القتيل وحضروا عند الشيخ وأقاموا الدعوى ، فأنكر المتهم إذ ليس هناك من شهود. وطال الجدال والنقاش بينهم ، ولكنهم لم يستطيعوا أن يثبتوا عليه شيئا ، وما كان بإمكانهم أن يكيدوه لخوفهم منه. أو من أذية تصيبهم من العرب. وأخيرا أخذ الشيخ بيده عودة مكنسة وقال : يا سلامة امسك بهذه العودة واحلف لي بحق من خلق هذه العودة أنك لم تقتل القتيل. فأخذ العودة بيده وأطرق ببصره إلى الأرض نحو ربع ساعة ، وبعد ذلك رفع رأسه وقال : يا جماعة أنا قتلت ابنكم ، وأنا لا أحط في رقبتي قتيلا ويمينا ، فانظروا ما هي دية ابنكم حتى أعطيكم حق دمه. وهذه العادة جارية بين العرب وسكان القرى. فتواسطت الناس وتم الاتفاق على ثلاث مئة غرش. فقال سلامة : اصبروا عليّ حتى أذهب وأحضر لكم الدراهم. فقالوا له : قد لا ترجع فمن هو كفيلك. فقال : يكفلني الذي لم أحلف باسمه باطلا يعني الله فخلوا سبيله. فقام حالا وركب وراح وعاد بعد أربعة أيام ، ومعه خمسة عشر رأس غنم عظام ، كل واحد منها يساوي أكثر من عشرين غرشا. فسلمها إلى أهل القتيل فأبرأوا ذمته وتصالحوا.
فسررنا جدا مما رأينا ، وتحقق لنا أن سلامة رجل طيب حسن السيرة ، وصرنا معه في صحبة كبيرة وأكلنا خبزا معه. وبعد ذلك قلنا له : يا أخ نحن نريد أن نتوجه إلى تدمر ، والناس هنا خوفتنا من العرب فما هو رأيك؟ فقال : أنا أضمن وأكفل أني آخذكم إلى تدمر ١ / ١٥ سالمين غانمين ، وأكتب سندا / على نفسي ، أمام الشيخ سليم وجميع سكان القريتين ، أنه مهما