[عبد الله يهتف باسم امرأة وينجو من الموت]
ففي اليوم التالي استعديت حالا وبكل سرعة وأخذت المكتوب ، وركبت وركب معي عبد من عبيد الدريعي اسمه فضّة ليوصلني ، وجدينا بالمسير من قبل الشمس إلى ما بعد العصر ، نحو عشر ساعات جدا عظيما فكشفنا على نزل عرب كبير ، نازلين في منزلة يقال لها القمقوم ، ما بين تدمر والقريتين ، ولم نعرف من هم من العرب إلى أن وصلنا إلى البيوت ، وإذ هم الموايجة أكبر أعدائنا ، وما عاد يمكننا الرجوع كليا ، فتقدمنا إلى بيت كبيرهم وهو بيت أميرهم برجس ابن أهديب ، وكان عنده جمع عظيم أمام البيت ، فحين نزلنا من على الذلول وصرنا على الأرض عرفني برجس وعرف عبد الدريعي ، فحالا أمر بتقطيعنا ، فأشهروا سيوفهم وركضوا علينا وقبضوا أولا على العبد فضة فقطعوه نحو خمسين قطعة ، وأنا أرى ذلك بعيني ، ثم تركوه وأتو نحوي كالغزاة (١) ، والسيوف مجردة بأيديهم ، فحين رأيتهم مقبلين علي ورأيت العبد قتيلا انقطع قلبي من الخوف ، وغبت عن الدنيا ، فما أذكر إلا أني رأيتهم جاءوا ليقتلوني فصحت أنا وقيع بنت هدّال (٢) ، وغبت عن الوجود وصرت مثل الميت لا أدرك شيئا ، ولا أدري إلا أني لما فتحت عيني وجدت نفسي في فراش ، وعلى رأسي نحو عشرين
__________________
(١) «غارة».
(٢) إن الاستجارة بالنساء معروفة عند العرب في الجاهلية والإسلام ، وما يقوله الصائغ لا يخرج عن المألوف المشهور.