مثل الرجال ، وهي بنت سلطان ومرادها الإقامة في هذه البلاد لأنها ، على ما أخبرني ، دائما مريضة ، وقد وصف لها الأطباء (١) الإقامة بهذه الأقاليم ، وهي الآن في حماة وقد كسب مهنا الفاضل منها كثيرا ، وجميع العرب يشكرونها لأنها صرفت مالا جزيلا على العربان. وفي حماة لم يزل العرب يلفون عليها ، وهي تقدم لهم الهدايا ، لأنها تحب العرب كثيرا ومرادها المعرفة بهم ومحبتهم (٢). ولم تزل تهدي الحكام التحف الإنكليزية وأصبح لها صيت عظيم.
فهذا الخبر دخل علي منه الوسواس بالأكثر ، وعمي قلبي وتأكدت أنها مرسلة خاصة حتى تفسد عملنا. فرجعت عند الشيخ إبراهيم وحكيت له جميع ما سمعت ، فتأكدت عنده [ظنوني] ، وأشتد قهره ودخل عليه الوهم والهم. وأعلمنا الدريعي أيضا فقال المذكور : لا تفكروا بشيء ، والله العظيم لا أغير نيتي نحوكم ، ولا يمكن أن أدع أمرها يسلك وفي جسدي نقطة دم ولو صفت لي أكياس الذهب من أبواب حماة إلى الهند. فكونوا مطمئني البال والخاطر ، فأنا أعطيت كلاما ولا يمكن أن أرجع عنه حتى الموت. فابقوا أنتم على حالكم وتدبيركم ولا تغيروا شيئا مما يجب عمله ، وضعوا في عقولكم أن هذه المادة ما سمعتم بها ، وثابروا ١ / ٧٤ (تابع) على جهدكم وارفعوا كامل الوسواس من فكركم. وقال : أنا عندي الرأي أن نتوجه أولا / نحو بلاد حوران حتى نكشف أخبار ابن سعود ، وبعد ذلك نتابع الرحيل ونذهب نواحي حماة وحمص وغيرها. فقال الشيخ إبراهيم : بما أن الأمر كذلك فانزل يا عبد الله إلى القريتين واحضر لنا ما بقي من اللبس الذي عند الخوري موسى ، وخذ هذا المكتوب وأرسله مع ساع خاص إلى ٢ / ٧٤ حلب ، يكون أمينا معروفا نصرانيا حتى يجلب لنا مصريات ، / إذ لم يبق معنا مصرية واحدة. وبما أننا سنذهب نواحي بلاد حوران فسيكون حتما طريقنا على القريتين. فحين نكون قريبين منك نرسل لك خبرا ، وأثناء ذلك يكون حضر الساعي وأتى بالدراهم فتحضر عندنا. أما أنا فرغبت في ذلك إذ كنت سئمت من البرية والتعب والعطش والجوع والرحيل والنزول والوسخ والأخذ والرد (٣) والخطر. فقلت بعقلي : أنزل إلى القريتين وأقيم بها نحو خمسة عشر يوما إلى حين رجوع الساعي ، وأنام براحة في بيت الخوري وأغسل ثيابي وأغير أفكاري ، لأني كابدت أتعابا ومشقات شتى ما لا يوصف ولا يجب ذكرها.
__________________
(١) «الحكامة» ، يريد الحكماء.
(٢) «والمحبة».
(٣) «المعالجات».