وأما الشيخ إبراهيم ونوفل والخوري موسى فإنهم قاموا من النوم فما وجدوني. فصاروا في حيرة عظيمة ، وابتدأوا يبحثون عني في أماكن عديدة ، فما وجدوا لي أثرا. فصار الشيخ إبراهيم في قلق عظيم وحدثه قلبه أني واقع في ضيق ، لأنه على معرفة بعاداتي ، فقال : إنه ما ذهب قط إلى مكان من غير علمي ، ولا بد لغيابه هذا من سبب كبير. ثم خرجوا إلى ضواحي القرية وأخذوا يطوفون بالبساتين للبحث عني. وبينما هم يفتشون عني ، إذ رأوني من بعيد مقبلا عليهم ، فتساءلوا إذا كان القادم هو أنا حقيقة. فقال الشيخ إبراهيم : هذا الشخص ليس عبد الله لأن معه بارودة وسلاح وبيده سيف ، فمن أين جاء بهذه الأسلحة؟ فحين قربت منهم عرفوني فركضوا نحوي من فرحهم. وحين وصلوا رأوني بتلك الحالة التي لا توصف : وجهي مخدش ودمي سائح ويديّ مسلّخة ورقبتي مجروحة وكل وجهي وعنقي ١ / ١٤ ويديّ مدمية ، وأنا من فرحي بنجاتي ورؤيتي لهم ابتدأت أبكي وهم كذلك ، / ولم يستطيعوا أن يفهموا مني حقيقة ما جرى علي إذ طفح علي البكاء. ثم دخلوا القرية واجتمعت الناس خلفي وصاروا يتساءلون عن الذي فعل بهذا الشاب هذا الفعل. وأدخلوني إلى بيت الشيخ سليم. ولما رآني في تلك الحالة الشنيعة انتصب قائما مثل المجانين وأجلسني وأمر لي بماء ، فشربت حتى سكن روعي ثم قال أخبرني عن قصتك بالمختصر فقلت له : «حسيسون احتال علي وأراد قتلي والله نصرني عليه». فغاب عن الوجود من هذا الخبر وقال : «له سوالف سابقة مثل هذه ، ولكن لا بدّ من قتله في هذا اليوم». ثم أمر أربعة خيالة أن يركبوا حالا ويجدّوا في طلبه ، ولا يدخلوه القرية ولكن يقومون بشنقه على باب القريتين من غير مراجعة. فركب الخيالة الأربعة بكل سرعة ، وكان من بينهم عبد للشيخ سليم ، وكان لا يحب حسيسون فأخذ حبلا تحت أبطه (١) لكي يشنقه حالا ، على حسب أمر سيده.
أما أنا ، فأخذوني إلى بيت الخوري ، وسخّنوا لي ماء ومسحوا دمائي ، ودهنوا جروحاتي ببلسم وأجلسوني على الفراش.
أما الخيالة فداروا بكل اجتهاد إلى غروب الشمس ، فما وجدوا لحسيسون أثرا فرجعوا. وبعد مدة بلغنا أنه يخدم كعسكري بدمشق ، ومن ذلك اليوم ما عاد دخل القريتين.
وبعد هذه الأيام بقليل ابتدأ العربان يغرّبون ويظهرون في نواحي تدمر والقريتين ، وصارت أخبارهم متواصله في البلاد ، وابتدأ يحضر منهم أناس للقريتين ويخبرون عن بعضهم ،
__________________
(١) «في عبه».