مني عمرا واقتدارا ، قويا جدا ، يأكل ثلاثة مثلي ، فتضرعت إلى الله تعالى واستغثت بسيدي سلطان الخيرات الذي هو حاميني ، وتصور أمامي كامل إخواني وأهلي وأحبائي وقلت في بالي : ما اشنعها من موتات ، وعزّت علي الدنيا وخرّت الدموع من عيوني وقلت : إيه يا جبار ، يا قوي ، يا باسط الأرض ورافع السماء ، يا مخلص عبيدك من الشدائد ، أن تعينني وتخلصني من يد هذا الظالم ، ثم التفت إليه وقلت : يا صاحبي أي عداوة بيننا وأي سبب يحملك على سفك دمي في هذا المكان المنقطع ، وأي أذية وأي ضرر صدر مني في حقك؟ أما تعلم أن يوم الله قريب ويطالبك خالقي بدمي؟ فعبس وجهه وحملق فيّ بعينيه وأمسكني وجذبني إليه ، وأخذنا نتعارك ، ووجدت في نفسي قوة عظيمة من حلاوة الروح والخوف من الموت. وظللنا في صراع نحو ساعة من الزمن ، حتى خمش وجهي ورقبتي وخدش يديّ وساحت دمائي من كل أطرافي وتمزقت ثيابي وأصبحت في حالة لا توصف ، وأنا دائما غير قاطع أملي من الدنيا ومفكر في حيلة يكون بها نجاتي من يد هذا الشرير. وأثناء ذلك تمكن من القبض على عنقي وحاول أن يخنقني وضغط (١) بكل قواه ، أما أنا فما كنت كسلان ، ٢ / ١٣ وقبضت بكلتا يدي على كيسه بين فخذيه / واطبقت (٢) عليه بكل عزمي ، فزاغ بصره واصفر لونه ووقع على الأرض مغشيا عليه لا يدرك شيئا. فحالا أخذت سيفه من جانبه ثم التفت وأخذت البارودة والكناة وخرجت من باب المغارة وأنا من فرحي لا أصدق حالي ، ومشيت على الدرب طالبا الضيعة. وبعد نحو ربع ساعة نظرت إلى الخلف فرأيته راكضا. وهو يصيح ويستجير بي ويطلب مني أن أقف ، فوقفت لأني لم أبق خائفا منه فالسلاح بيدي. فحين أصبح قريبا مني أخذ يبكي ويتوسل إلي ويقول : ما أصغر عقلك ، أنا لعبت معك حتى أجرب صداقتك وأنت ظننت أني كنت على جد؟ فأخذت البارودة بيدي وقلت وحق من خلصني من يدك وهو جبار السموات والأرض. إن خطوت خطوة ثانية نحوي (٣) ملأت (٤) بطنك رصاصا. واعلم أنه لم يبق لك خلاص ، وإن شاء الله إني سأجعل قتلك شهرة حتى يتأدب كل ملعون مثلك. فحين رأى أن محاولته قد فشلت ، وهو عارف أنه مذنب جدا وأنه إن عاد إلى القرية سيقتله الشيخ سليم ، فحينئذ أرتدّ إلى الوراء وهام على وجهه في البرية.
__________________
(١) «قرّط».
(٢) «قرّطت».
(٣) «صوبي».
(٤) «عبّيت».