أحدا بها. قلت : معاذ الله لا يمكن أن تطلع من فمي إلى مخلوق. قال في مغارة بعيدة ساعة عن القرية خابية ملآنة ذهبا ، وهذه القطعة منها. وأعطاني قطعة ذهبية قديمة من سكّة تدمر ، وقد صودرت مع حوائج الخواجه لاسكاريس بعد نياحته في مصر القاهرة. فحين أعطاني الذهب حققت ذلك (١) ، وقال لي : «إنني لست قادرا على تصريف الذهب ، ولذا أرى أن تذهب معي سرا حتى أريكه ، ثم تنقله رويدا رويدا ، وتصرفه وتعطيني عملة دارجة المبلغ الذي يسمح به خاطرك». ففرحت وقلت بنفسي أن لا أكلم الشيخ إبراهيم بهذا الأمر إلا بعد أن أرى جليلة الخبر.
وفي اليوم الثاني انسللت من الجماعة ، وطلع حسيسون خارج القرية واجتمعنا ومشينا سوية. وكان معه بندقية (٢) وسيف وعصا رأسها مكتل به مسامير من حديد يسمونها كناة. فسرنا نحو ساعة من الزمن ، وأنا ليس معي غير قصبة التوتون (٣) ، إلى أن وصلنا إلى مغارة مظلمة. فدخلنا إلى صدر المغارة إلا أني لم أجد فيها شيئا. فقلت له : أين الخابية؟ فاصفر لونه (٤) وقال : ايش (٥) رماك معي؟ أعلم أن اليوم آخر حياتك في هذه الدينا ، وكنت قتلتك قبل أن انزع عنك ثيابك ، إلا أنها تتلوث بالدماء وتصبح غير صالحة. فإذا اشلح ثيابك واعطني الكيس الذي كنت تضع فيه الدراهم ثمن البضائع التي بعتها للناس نحو ألف ١ / ١٣ غرش ، وهذه طمعتي بك ، وتأكد أنك لن ترى النور / بعد اليوم. فابتدأت آخذه بالكلام اللين وأكدت له أني سأعطيه أكثر مما هو متأمل أن يأخذ مني ، وأني لن أحكي لأحد ولن تطلع من فمي هذه الدعوى. فقال : هذا الكلام لا يفيدك ، فإذا أنا أطلقتك لا بدّ أن تحكي وتكون سبب موتي. فصرت أحلف له بالأيمان العظام والأقسام الكبار أني لن أحكي ، وأني سأعطيه شيئا كثيرا إذا سمح لي بدمي. فقال : لا يمكن ذلك وأني لم أحضرك إلى هذا المكان لتبقى حيا ، بل لأقتلك وأطفيء خبرك ، لأني إذا أبقيتك على قيد الحياة أموت أنا. فمن بعد كلام كثير وجدال طويل اسند بارودته على الحائط والكناة جنبها ، وهجم علي مثل الذئب على الخاروف ، ومراده أن يأخذ ثيابي وبعد ذلك يقتلني. ثم وصل إلي وأمسكني ، وكان أكبر
__________________
(١) كذا في الأصل ولعل الصائغ يريد أن يقول : تحققت من صحة كلامه.
(٢) «تفنكه».
(٣) التبغ.
(٤) من العجب أن يرى الصائغ في الظلمة اصفرار وجه عدوه.
(٥) أي شيء.