التوجه عند العرب ، ونحن قبلنا نصحه ولم يبق لنا رغبة في الذهاب عند العرب ، إنما نشتهي فقط الوصول إلى تدمر ، عسانا نستطيع أن نبيع شيئا من أرزاقنا. فقال وهذا الأمر أيضا صعب لأن تدمر هي أشكال العربان. فإذا رأوكم طمعوا بكم ويصير لنا بسببكم وجع رأس وتعب ، وابتدأ يحكي لنا حكايات عن العربان وفعلهم الردي ، والخوري يصادق على كلامه حتى قطعا قلوبنا بحديثهما. وبعد ذلك حضر الغداء فتغدينا عنده وشربنا القهوة وذهبنا إلى بيت الخوري. فقال لي الشيخ إبراهيم القبرصي : ما هو رأيك يا ولدي؟ فقلت له : يا سيدي هذا رجل قلبه محروق جدا من العرب ، لأنه تحت حكمهم ، ودائما يثقلون عليه ، ومن يثقل على الناس لا يكون محبوبا. وأما نحن فليس بيننا وبين العربان عداوة ، وإذا مشينا معهم بكل محبة وإكرام ما أظن أنه يحصل لنا منهم تنكيد. فقال : وأنا عند ظنك.
وكنا كل يوم نذهب لزيارة الشيخ نحو ساعة من الزمن. وفي بعض الأيام قال لي : عندي نظارة معكوسة فهل تستطيع يا عبد الله أن تصلحها لي ، وأنك إن استطعت ٢ / ١٢ اصلاحها سميتك شاطرا (١). ثم احضر النظارة فأخذتها وفتحتها ، فوجدت أن / بعض الزجاجات (٢) واقعة من محلها ، فأعدتها إلى مكانها ، ثم مسحت سائر الزجاجات وأعطيته النظارة ، فأخذها ونظر فيها ، فتبين له أنها صحت كما كانت. فسرّ (٣) جدا وقال لي : الآن (٤) عرفت أنك معلم جليل ، وأنك عندي صاحب عقل. وصار يحبني جدا ويسميني الشاطر صاحب العقل.
وبعد ثلاثة أو أربعة أيام قال لنا الخوري موسى وهو الشخص الذي نحن بضيافته : يا جماعة افتحوا رزقكم وبيعوا الذي يقسمه الله لكم. فاضطررنا غصبا عنا ، كي نستر حقيقة أمرنا ، أن نعرض بضائعنا ، وأخذنا نبيع في الساحة ، أمام بيت الشيخ الواقع في وسط القرية. فصار الناس يفدون علينا ويقعدونا عندنا ويقبضون لنا الدراهم من النساء. وكان من أكثر الناس ألفة لنا شاب يقال له حسيسون الكعب. فبعد أربعة أو خمسة أيام انتهي البيع ورفعنا البضاعة وأخذنا نتنزه بالقرية ، فجاءني حسيسون وقال لي : يا سيدي هل عندك للسرّ مطرح؟ قلت : نعم ، ماذا تريد؟ قال : مادة سرية جدا ، على أن تعطيني كلاما بأنك لا تخبر
__________________
(١) أي ماهرا.
(٢) «البلوراة».
(٣) «فانحظ».
(٤) «هلق».