الاثنتين وأنزلتهما فوقعتا على الخلاء ، فما علمت إلا أني رأيت نفسي أهوي بالوادي أنا والفرس ثم ما عدت أدرك ما ذا جرى (١). وقد أخبرني الشيخ إبراهيم أني لم أزل أهوي وأنا أسقط ، تارة أنا فوق الفرس وتارة الفرس فوقي (٢). وقامت الصيحة وابتدأ الشيخ إبراهيم يضرب على نفسه وينتف لحيته ويستغيث بالعرب أن ينزلوا ويطلعوني. فقالوا له : يا سيدي إنزع من عقلك هذا الفكر ، لأن هذا الوادي لم ينزله ولم يطلع منه أحد ، وقد أصبح الآن مئة قطعة (٣) هو والفرس ، فكيف تأمل أن يكون إنسان وقع في واد مثل هذا الوادي هو والفرس؟ فصار يبكي ويستجير بهم فقالوا له : يا شيخ إبراهيم إن عبد الله غال علينا ، ولكن نحن على ثقة أنه مات وشبع موتا ، فما هي فائدة من نزولنا نحن في هذا الليل المظلم إلى واد شنيع مثل هذا من غير نفع؟ لقد مات الرجل وأصبح مئة قطعة. قال : أنا راض أن تأتوا به مئة قطعة حتى أعود به وأقبره في حماة ولا أتركه لتأكله الوحوش في هذا الوادي العميق.
فبعد جهد كثير برطلهم بمئتي ربعية حتى يطلعوني. فنزل اثنان منهم وكان لاح الفجر فوجداني معلقا بزناري بغصن شجرة ، ورأسي إلى تحت ورجلاي فوق ، قبل أن أصل إلى قاع الوادي بشيء قليل. / وأما الفرس فوجداها في قاع الوادي مفزورة وميتة. فأخذا عدة الفرس وحملاني على أياديهما ، تارة يستريحان وتارة يحملان إلى أن وصلا إلى فوق. فرمى الشيخ إبراهيم نفسه فوقي وصار يبكي ويلطم على جسده (٤). فكان في رأسي جروح في عشر مطارح ، منها بالغة ومنها [سطحية] سلخ الجلد وبان العظم ، وكذلك جميع أضلاعي تغرست وانكسر بعضها ، زندي اليمين مجرد جميعه من اللحم ولم يبق إلا العظم ، كذلك يداي مسلختان ورقبتي مجروحة وجسدي مهبّر وباطن ساقيي مسلخ ومهبّر وفي ظهري وفي بطني وجميع جسدي جروحات لا تعد ومواضع عديدة مسلوخة (٥) ، من أخمص قدميّ إلى رأسي جسمي ملآن شوكا مثل الإبر ، النتيجة حال لا توصف لا أحتاج إلا إلى الدفن
__________________
(١) هذه المرة السادسة التي يشرف بها الصائغ على الموت خلال رحلته.
(٢) يعلمنا الصائغ قبل هذا الكلام أن الليل كان شديد الظلام فكيف رآه الشيخ إبراهيم يهوي إلى قعر الوادي؟.
(٣) «شقفة».
(٤) «يقتل حاله».
(٥) «سلوخات».