بالأرض. وكان الشيخ إبراهيم على معرفة بأمور الطب (١) ومعنا كل ما نحتاج إليه فيما يتعلق بالطب والأدوية ، فحالا أخرج من صندوق الاسعاف (٢) أرواحا ووضع منها في مناخيري ، فظهر له بعض إشارات تدل على أن فيّ روحا ، غير أن حواسي الخمسة كانت معدومة وعيني جامدة في وجهي ، ومن كثرة الأدمية على جسدي لا يبان مكان الجرح من المكان السليم. فتأمل الشيخ إبراهيم وفرح وأعد العرب لي مكانا على ظهر الجمل وارتدوا إلى حماة. ولم يزلوا سائرين إلى قرب نصف النهار ، فازداد الورم فيّ وأصبح رأسي بحجم الطبل وتغيرت أحوالي إلى أسوأ. فخاف الشيخ إبراهيم أن أموت قبل الوصول إلى حماة ، فاستشار العرب فقالوا له : حماة ما زالت بعيدة ومن الأنسب أن نأخذه إلى زين العابدين وهي قرية تابعة لحماة ، تبعد عن حماة بالنسبة إلينا أربع ساعات ، فاعتمدوا على هذا الرأي ودخلوا بي القرية المذكورة إلى بيت الشيخ ، وهو شيخ جليل يقال له الشيخ درويش وكان بيننا معرفة سابقة. فحالا وضعني الشيخ على فراش في محل نظيف وأرسل رسولا إلى حماة لإحضار الشيخ خليل وهو جرّاح (٣) مشهور ، وجلس الشيخ إبراهيم جنب رأسي مع القطرات (٤) والأدوية يعالجني. ٢ / ٨٥ إلا أني إلى ذلك الوقت ما كنت أعي كليا على أمور الدنيا. فعلى قول الشيخ إبراهيم / إني أقمت تسع ساعات ميتا ، لا أعي على شيء قطعا ، وليس بي حاسية بالكلية. فمن كثرة الأرواح والقطرات فتحت عيني وصرت أنظر إلى الناس الذين أمامي ، وأنا في فراشي داخل غرفة (٥) ، ولكن كمثل منام ، ليس لي عقل يعي أين أنا موجود أو يعلم ما ذا جرى لي ، إذ كنت كالطفل الذي لا يدرك شيئا. وكان الشيخ إبراهيم يكلمني. وأما أنا فما كنت أرد عليه إذ كنت لا أسمع ولا أستطيع أن أتكلم أو أتحرك : قطعة حجر بالفراش. بل أني ما كنت أحس كليا بوجع ، مرتاحا بذاتي من غير إدراك.
فأقمت على هذه الحالة أربعا وعشرين ساعة ، إلى مثل الوقت الذي وقعت به ، فرجع إلي شيء قليل من عقلي وصرت أفكر ما الذي أتى بي إلى هذا المكان ، إذ كنت ذاهبا مع العرب فكيف أصبحت في هذا المحل ، فهل أنا في يقظة أم منام. ثم حضر الشيخ خليل الجراح وأخذ حالا بمسح الجروح ووضع المراهم. فحسست بالوجع في تلك الساعة
__________________
(١) «الحكمة».
(٢) «الحكمة».
(٣) «جرايحي».
(٤) «الاستقتاراة».
(٥) «أوضه».