ووعيت على نفسي وفهمت القضية. فصار المسكين الشيخ إبراهيم يبكي ويسألني عن حالي ويقبل يدي ، فجعلته مطمئن البال عني ففرح فرحا شديدا وشكر الله وقبل الأرض ، وقال للشيخ خليل الجراح : إعمل جهدك وإذا استطعت أن تشفيه أعطيك مهما طلبت. فرغب الجراح وابتدأ يعالجني بكل مهارة (١). وأما العرب الذين كانوا معنا فإن الشيخ إبراهيم كان أذن لهم بالإنصراف كي يذهبوا عند الدريعي ويخبروه بما جرى. فحين وصلوا أخبروه بما جرى وكيف أطلعوني وبأي حال وأني الآن موجود في زين العابدين. فطار عقله من هذا الخبر الشنيع وركب حالا على خيل وحضر عندنا. فرأى الحال الذي أنا به وقطع أمله من الشفاء وأصبح على يقين أننا لا نستطيع أن نشرّق معه هذه السنة وسيحصل تعطيل في أعمالنا ، فازداد غمه علي ، فصار الجرّاح (٢) يسكن روعه فوعد الجرّاح (٣) بهدية عظيمة إذا استطاع ١ / ٨٦ أن يشفيني مما أنا به. ثم أخذنا بخاطره بخصوص الفرس التي قتلت / فضحك وحلف بالله أنه يتمنى لو قتلت عشر أفراس مثلها وأن أكون أنا معافا ، مع أن الفرس واسمها العبسية من خاص الخيل البخارية المشهورة ولو أعطي بها خمسون كيسا لا يمكن أن يبيعها. ثم سافر الدريعي في اليوم التالي وبكى حين فارقنا ، إذ لم يكن متأكدا تماما أني سأشفى من الجروح والأوجاع التي أنا بها ، إذ كان نوعا ما قاطعا أمله مني.
فأقمنا ثلاثين يوما في زين العابدين ، والشيخ خليل يعالجني على قدر معرفته فلم يحصل على نتيجة بل بالعكس فالجروح أصبحت قروحا ولعبت المواد بالقروح وانتنت ، واستحال الورم إلى ضعف عظيم. فأشار أناس أهل خبرة إلى أن الشيخ خليل لا يحسن معالجة أمر كبير مثل هذا ، ولكن يوجد في ضيعة يقال لها دير عطية ، على طريق الشام (٤) ، وقد ذكرناها سابقا ، معلم جراح مسلم جليل فهيم ، فهو قادر على أمور مثل هذه. فأرسل الشيخ إبراهيم رسولا لإحضاره فلم يأت بل قال : إن شاؤا أحضروا العليل إلى عندي. فاستحسن الشيخ إبراهيم هذا الرأي ، وحالا صرف الشيخ خليل وأرجعه إلى حماة ، وأعطاه أجرة وافرة ، وعمل صندوقا من خشب ووضعني به ، ثم حملت على بغل وتوجهنا إلى دير عطية. وحين وصولنا نزلنا في بيت البيطار صاحبنا. فأتى الجراح ، وكان اسمه الشيخ حسن
__________________
(١) «معلمية».
(٢) كذا بالمخطوطة.
(٣) «الجرايحي».
(٤) دمشق.