وعاينني ، وحالا نزع اللصقات التي علي وغسل جميع الجروح بالنبيذ ووضع مراهم من عنده وابتدأ بعلاجي.
النتيجة لا أستطيع أن أصف العذاب والأوجاع التي كابدتها إذ يقصر عن وصفها اللسان ، حتى بقيت بالفراش كالخلال (١) والخيال ، وتبدلت أحوالي وتغيرت صورتي ، وقاسيت آلاما مريرة ووجعا وعذابا وشدائد من كل الأنواع. وكنت دائما أعتب على الشيخ ٢ / ٨٦ إبراهيم الذي سعى في إخراجي من الوادي ، لأنه لو تركني أموت كان ذلك أريح لي بكثير / وبالمختصر لم يبق وجع بالعالم إلا تركب على جسدي وكذلك الأدوية والوصفات التي كانت تأتينا من عند الخواجه شاباصون الطبيب الفرنسي (٢) بدمشق ، إذ كان بخدمتنا خيال من أهل الضيعة فقط لأجل إحضار الأدوية من عند الخواجه المذكور ، لأن بيننا وبين دمشق يومين. وإن سأل القارئ (٣) لأي سبب ما نزلتم إلى دمشق لكي تكونوا قريبين من الطبيب وتصبح المداراة أنسب؟ فالسبب الأول سياستنا ، إذ ليس من صالحنا القعود بالشام كثيرا ، ثانيا أن هواء دمشق رديء وثقيل فلا يمكن أن أحصل على الصحة بدمشق ، فانتقلنا بعد شهرين من دير عطية إلى قرية يقال لها النبك ، نحو ساعة ونصف بين الواحدة والثانية. والقرية المذكورة هواؤها وماؤها مشهوران بالحسن. فالغاية بعد أربعة أشهر استطعت أن أقوم على العكاكيز. وكنت أصح يومين وأعود مريضا خمسة ، حتى ذقت أنواع الموت أشكالا وأشكالا. وفي أثناء تلك الغضون انعزل سليمان باشا العكاوي عن إمارة الشام ، وحضر من اسلامبول وزير يقال له أيضا سليمان باشا سلحدار (٤) سلطان سليم ، وحكم بدمشق ، فهذا صعب علينا نوعا لأن سليمان باشا العكاوي كان يوافقنا على جميع ما نريد من الأمور. وكان انتهى فصل الشتاء وقدم الربيع (٥) وابتدأت العربان تبشر بالديرة ، وأزهرت الدنيا وأنا تماثلت للعافية وقمت من الفراش ، وكانت جملة إقامتي بالفراش طريحا خمسة أشهر. وبعد أن أصبحت قادرا على المشي نوعا ما تسلط علي حال غريب وهو أني كلما رأيت فرسا أو حصانا يصفر وجهي وأقع على الأرض مغشيا علي. وبعد ذلك ، رويدا رويدا ، قويت نفسي
__________________
(١) الألبسة البالية.
(٢) «الحكيم الفرنساوي».
(٣) «القادر» ، كذا.
(٤) سلاح دار ، أي الذي يحمل سيف السلطان ، وهو من أكابر موظفي الدولة.
(٥) ربيع سنة ١٨١٣.