ثم رحلنا ونزلنا أرضا يقال لها الصّارعة ، مياهها كثيرة من نبوعات ومراعيها كثيرة أيضا ، ولكن بها عشبة تسمى الخافور (١) تحبها الجمال ، إنما لها فعل غريب إذ يجن منها الجمال فقط ، وليس لها فعل على غيرها من الدواب. فمتى أكل منها الجمل صار مجنونا وعمي ، فلا يرى بعينيه شيئا ويهيج. فاستقمنا يومين في تعب (٢) عظيم مع الجمال لأنها تهجم على البيوت من غير أن تراها فتخرب البيوت وتدعس الأولاد وكل من كان بوجهها. فكانت الناس دائما راكبون وراكضون خلف الجمال حتى يردونها عن البيوت. فخلال هذين اليومين لم يستطع أحد أن ينام أو يستريح بل حصل تعب (٣) عظيم أشد من معركة كبيرة مع خصم قوي. والسبب أنهم أطلقوا على هذا المكان اسم الصارعة لأنها تصرع الجمال وتجعلها كالمجانين. وثالث يوم قلت للدريعي بالله عليكم دعونا نرحل من هذه المنزلة الملعونة فكأني بكم مسرورون من هذا التعب فضحك. وفي ذلك الوقت نفسه إذ بجمل عظيم هاج وركض نحو الدريعي نفسه ، فركضت حالا ودخلت البيت واختبأت فيه. أما الدريعي ، فإنه أخذ عامودا من عواميد الخشب التي كانت أمام البيت ، وضرب الجمل على رأسه ، فانكسر ٢ / ٧٠ العامود قطعتين ولم يردّ الجمل ، / واحترنا عمّن نقول أنه أكثر قوة الجمل أم الدريعي ، لأن المذكور يقول : لو ثبت العامود كنت كسرت رأس الجمل وقتلته. فأنا عدلت بينهما وقلت : أظن يا دريعي ، أنك والجمل بالقوة نفسها ، لأنك تحتج بأن العامود قد انكسر ، والجمل على ما أظن ما أحسّ بالضرب ، وعليه فإنكما متقاربان لبعضكما بعضا. فضحك كل من كان حاضرا.
ورحلنا ثاني يوم ، وبينما نحن في الطريق إذ نفذ علينا مكتوب من صقر مضمونه أنه ذهب عند برجس ابن أهديب ، ولكنه لم ينل فائدة ، ووقع بينه وبين المذكور إغاظة. وقد حرد صقر عليه وذهب من عنده متكدرا ، وإن برجس غرّب بكامل عربه ودخل الجزيرة ويريد أن يصل بسرعة إلى بر الشام ، ويجتمع مع بيت ملحم ومع جيوش الوهابي ، لأجل تنكيس رايتكم وخراب نظامكم وتدميركم ، من حيث أولا أنه زوج أخت عبد الله الهدال ، وثانيا أنه محب لبيت ملحم ، وثالثا أن عنده عبسي القبيسي وهو يحرك الشر عليكم دائما ، فكونوا على
__________________
(١) الخافور : «نبتّ كالزّوان» (القاموس المحيط مادة خفر).
(٢) «جنك» ، ويريد ضنك.
(٣) «جنك».