علم بذلك وخذوا حذركم منه. فقال الدريعي : الله أكبر منه. ولم نزل نجد بالسير من مرحلة إلى أخرى.
وعلمنا أن السّلقا (١) ، وهي قبيلة عظيمة نازلة في منزلة يقال لها حزملما (٢). فقال الدريعي : هذه قبيلة عظيمة ورجالها مشهورون بالمواقع (٣). وأميرهم رجل طيب ، فيجب أن نجلبهم إلى طرفنا قبل وصولهم إلى الديرة الشامية. والأمير اسمه جاسم ابن حريميس وهو صديقي جدا. فقلت نكتب له مكتوبا ، قال الدريعي : هذا لا يناسب لأنه لا يقرأ ، فيجب أن يقرأ له أحد المكتوب ، وتصبح المادة مسموعة ، ونحن نريد أن تكون سرية. فرأى الشيخ إبراهيم أنه من المستحسن أن أتوجه أنا عنده وتم الرأي على ذلك. وثاني يوم أرسل الدريعي معي ستة أنفار ليدلوا (٤) [على الطريق] ، وأنا ركبت ذلولي وكنا سبع أنفس. وكان بيننا وبين حزملما مرحلتان ، وسرنا طالبين قبيلة السلقا. فبعد يومين وصلنا إلى المحل [المقصود] ، فما وجدنا أحد لأنهم كانوا رحلوا ولكن لا يعلم أحد إلى أي جانب توجهوا. فصرنا ندور بالبرية ١ / ٧١ إلى المساء ، فبتنا بالخلا في البادية (٥) ؛ من غير أكل ولا شرب لأننا لم نأخذ معنا / غير زاد يوم فقط ، إذ كنا متأملين بالعرب. فأقمنا ثالث يوم ندور أيضا إلى المساء ، ولكننا كنا نمشي بجد فما وجدنا أحدا ، ولم نلتق بغير عربان. فاشتد بنا العطش وخصوصا بي أنا ، فتلاشت حواسي ويبس فمي واحترق جسدي من شدة الظمأ ، حتى كدت أغيب عن الوجود ، إذ مضى علي ثلاثة أيام من غير ماء. فصاروا يضعون في فمي حصوات صغيرة وتارة رصاصات ، وكل ذلك بدون فائدة ، ولم يزل يزداد عطشي. فاسود وجهي ، ويبس لساني وصار مثل الفحم الأسود ، وجمدت عيوني ، ورميت نفسي على الأرض كالميت ، وغاب عقلي وعدمت حواسي بالكلية. ومنذ يومين كنا نبحث عن الماء فقط ولا نسأل عن العرب. وكنا دائما نبعد كأننا مسحورون ، فلا نستطيع أن نجد عربا أو ماء لنشرب. فبعد ذلك رفعوني عن الأرض وأنا غير واع ، ووضعوني على ظهر ذلولي ومشوا قاصدين منزلة يقال لها جب الغنم بها ماء. وما زالوا سائرين إلى بعد الظهر ، وكان ذلك خامس نهار من غير ماء.
__________________
(١) «السلقة» ، من العنزة.
(٢) «حذملما» ، إنما من عادة الصائغ أن يكتب ذالا بدلا من الزاي.
(٣) «بالمراجل».
(٤) «دلالة».
(٥) «الجول».