الذي كان ذهب معي ، لأنه لم يزل مقيدا عندهم وخاف عليه من أن يقتلوه لأنني هربت من عندهم ، وفي الوقت نفسه يقبح فعلهم الذي فعلوه معي. فكان الجواب لا نرسل الرجل (١) ، واستعد للحرب والقتال غدا صباحا ، ولا تقل ما أنذرناك فكن على حذر (٢).
فجمع الدريعي حالا كبار القبائل وابتدأوا بتحضير مهمام الحرب وتدبير أمورها. وثاني يوم من الصبح خرجت الجموع من الطرفين ، واصطفت الطوابير أمام بعضها ، وانفتح ميدان الحرب ، واشتد القتال بين الطرفين. وكان نهار لا يوصف شديد الحر جدا ، إلى أن غابت الشمس ، فما رجحت كفة الواحد على الآخر ولكن حصلت مقتلة عظيمة في الفريقين ، وقتلت فرس عوض جندل شيخ السوالمة التي تسوى عنده أكثر من خمسين كيسا ولا تقدر بثمن لا بكثير ولا بقليل. فتكدرنا عليها جميعنا كثيرا وأعطاه الدريعي فرسا عوضا عنها ، ولكن دونها لا تماثل التي قتلت ، فرضي واستكثر بخيره (٣) عليها.
وفي اليوم الثاني وقع القتال أيضا ، وكان أشد من اليوم الأول ، وكانوا هم الراجحين علينا بسبب أنهم أكثر منا. فهم كانوا نحو ثلاثين ألف مقاتل من خيالة ورجال ومراديف ، ونحن كنا مقدار نصفهم لا غير. فأخذوا منا في هذا اليوم أربعين ممسوكا (٤) ، يعني أسيرا (٥) ، تسمّيه العرب ممسوكا. ونحن أخذنا أحد عشر واحدا. وكان من جملة الأحد عشر ممسوكا عندنا ابن صقر شيخ قبيلة المضيان ، فقيدنا الجميع ، وهم كذلك / قيدوا مماسيكهم.
وبعد ذلك النهار قضينا ثلاثة أيام دون حرب ولا كلام بين الجانبين. ولكننا كنا متيقظين إلى بعضنا ليلا ونهارا. وبعد ذلك إذ حضر إلى طرفنا الشيخ صقر ابن حامد الذي كان ولده ممسوكا عندنا ، من جملة الأحد عشر ، وبرفقته خيال واحد فقط ، لأن هذه عادة العرب إذا وقف الحرب يزورون بعضهم بعضا ويتكلمون ويأكلون ويشربون ، وحين رجوع الحرب كل منهم ينسحب إلى فريقه. فحضر المذكور عندنا ، فرحّب به الدريعي وعمل له غاية الإكرام. وكان سبب حضوره أنه يحاول أن يفك ابنه لأنه كان غاليا عليه جدا. وكان قد
__________________
(١) «الذلمة».
(٢) «صير على حضر».
(٣) شكره.
(٤) «ممسلوك» ، ولكن في مكان آخر من المخطوطة يكتب الصائغ «ممسوك» ويجمعه على «مماسيك».
(٥) «يسير».