فعملنا حسابنا : كانت عربنا نحو ثمانين آلف مقاتل من غير جيش الباشا ، وأما الوهابيون فكانوا نحو مئة وخمسين آلف مقاتل ، ولكن بالحرب والمعارك عربنا أشد حربا وقوة. وذلك على رأي الشيخ إبراهيم ، له علاقة بالأقاليم. فهو يقول : إن الأقاليم الحارة لا يكون أهلها أشداء بالقتال ، بل إن سكان الأقاليم الباردة أشد حربا وقوة ، وبما أن الوهابيين من سكان ناحية الجنوب فنحن أشد منهم قوة. وفي اليوم الثاني صار حرب وظهر فعل كبير من الوهابيين رجت منه قلوب الناس وخصوصا أهالي حماة. وشاع الخبر أن الدريعي إنكسر والباشا أيضا ، وعزمت الناس على الهرب إلى نواحي البحر. ولم يزل الحرب والقتال معقودين (١) مدة عشرين يوما ، حتى ضجت الناس وكرهت حالها ، وعلى الخصوص أن الجوع ابتدأ ينتشر ، لأن كل لوازمنا ولوازم الباشا من حماة ، حتى افتقرت وتعرت من جميع المآكل ، وحصل الغلاء وعدم وجود الشيء بالمدينة المذكورة. فابتدأ الحكام باستيراد الحنطة من غير أماكن ، وأعطى أناس من مؤونتهم لأجل تقوية الدريعي خيفة من الوهابيين. أما نحن فلم نزل كل يوم في حرب ، ونقص عسكر الباشا إذ قتل منه كثير ، وابتدأت الناس من عرباننا تنسل وتهرب من شدة الجوع ، حتى أن الجمال التي وضعناها كالمتاريس صارت تأكل بعضها من الجوع ، إذ كان لا يمكننا أن نتركها ترعى أولا لأن نار العدو تعمل بنا ما تريد ١ / ٩١ إذ نبقى من غير وقاية ، وثانيا لأنه لم يبق في الأرض شيء لترعاه / بل ولا للأوادم.
ولم يزل الحرب متواصلا يوميا حتى أنه في بعض الأيام كان يتصل ليلا نهارا. وأما أركية التي كانت جالسة بالعطفة ، فإنها كانت تنخي الرجال وتهيجهم على الهوشة (٢) والحرب. وأكثر الذين يقتلون من طرفنا تكون هي السبب بكلامها المهيج للحرب. وكانت دائما تعد الشباب أن الذي يأتيها برأس عبد الله الهدال تتزوجه ، لأن المذكور صاري (٣) عسكر العرب الذي يقاتلوننا ، وأبو نقطة صاري عسكر العرب الذين أمام جيش الباشا. فهذان الاثنان صواري عسكر الوهابيين. وبسبب رغبة الشباب في أركية كانوا يرمون بأنفسهم إلى الموت. حتى أن من جملة من تقدم وزاحم الناس شاب عظيم وفارس عنتري ، وصل عند أركية وقال : أريني وجهك يا زين الملاح ، إذ ما كان رآها بعد. فأخرجت رأسها من وراء ستار
__________________
(١) «ولم يذل كل حرب ومقاتل».
(٢) «الهوش».
(٣) رئيس.