وانعقد دخان البارود وانكسر الوهابيون وفروا هاربين وإلى النجاة طالبين وأبقوا جميع أرزاقهم وبيوتهم منصوبة. وأما الدريعي فكان أمر أن لا يأخذ أحد شيئا من الكسب كي لا يلتهوا عن العدو بل يطلبونه ويسعون في أثره ، وظلوا وراءه حتى قطع تدمر وارتد على أعقابه ، فغنموا جميع أرزاقه وبيوته وجماله.
وأما الشيخ إبراهيم وأنا ، فبعد أن انكسر جيش الوهابي وركض عربنا وراءه نزلنا إلى حماة وتكلمنا بالذي جرى فما كان يصدق أحد بذلك حتى الباشا نفسه. وخرج الناس إلى الأماكن المرتفعة ، فكنا نرى البرية كمثل الضبان (١) الأحمر وهو من الرمل والغبار المتصاعد من أقدام الخيل ، وظل الحمار ظاهرا بالجو بعد ثماني ساعات. ومع ذلك ما يصدق أحد أن الدريعي كسر الوهابي حتى أتت أناس من القرى وشهدت بذلك ونحن أكدناه لهم. فصار الفرح عندهم وأرسل الباشا حالا تانار (٢) يبشر والي الشام. وصارت الناس تدعو للدريعي بالنصر ، وامتلأ العالم من البهجة والسرور (٣).
وأما الدريعي وعربنا فقد كفوا عن الوهابيين ، وعدوا على أرزاقهم وبيوتهم ، وغنموا شيئا لا يوصف من أموال وجمال وبيوت وحوائج وأمتعة. ونزل الدريعي وأولاده وكثيرون من كبار العشائر ، فخرج المتسلم والكيخيا وكل الضباط وكبار حماة لاستقباله وأدخلوه البلد بزفة عظيمة وعراضة (٤) ، والناس من نساء ورجال تدعو له وتحمد فعله. ثم إن الباشا عمل له غاية الإكرام والواجب ، وأهداه تحفا وذخائر. وكذلك وزير الشام أرسل إليه بولردي يحمده ويشكره على فعله ، وأرسل إليه أيضا بسيف عظيم ، وفروة سمور ، وخمسين كيسا ، وأربعين ٢ / ٩٣ حملا من القمح. / وشاع خبر ذلك في جميع بلاد العرب (٥) ، عند الخاص والعام.
__________________
(١) ضبان ج ضب وقد سبق تفسيره (انظر صفحة ٢١٣ حاشية ١٨).
(٢) كذا.
(٣) يظهر من سياق الحديث أن موقعة حماة بين الدريعي والوهابيين كانت خلال صيف سنة ١٨١٣. ولكن هل جرت هذه المعركة حقا أم أنها من نسج الخيال؟ إننا نميل إلى تصديق الصائغ وإن كان بالغ جدا في عدد المتحاربين. وقد ذكر هذه الموقعة أوغست دي نرسيا في كتيب طبع سنة ١٨١٨ ، إلا أنها حدثت ، على ما يقول ، سنة ١٨١٢.
(٤) مظاهرة شعبية للسرور والابتهاج.
(٥) «في كامل بلاد عرابيا» ، كذا. فهل يريد الصائغ جميع البلاد العربية أو جميع بلاد الجزيرة العربية؟.