مثل هذا بالطريق عدوا (١) ، بعد أن فهمت صفاته وصارت طباعه عندي معروفة. فرجل مثل هذا يجب اكتساب محبته قبل كل شيء. ففكرنا بالأمر ولم نجد طريقة إلا باحضار رسالة من الأمير سعد ، كي يصير واسطة للتعرف به. فكان رأي الشيخ إبراهيم أن أرجع أنا عند سعد. ولكن الدريعي لم يستصوب هذا الرأي ، خوفا عليّ من عربان تلك الديرة غير المعروفين منا أن يقتلوني. فلزم أن أحرر مكتوبا إلى سعد من طرف الدريعي وطرفنا ، مضمونه السؤال عن خاطره ومدحه وأسفنا على فراقه (٢) وعرفناه بعد ذلك مادة الرديني ، وطلبنا منه مكتوبا إلى المذكور ، على حسب حسن معرفته ، لكي يصير واسطة المحبة وعقد الصحبة معه. وأرسلنا المكتوب مع هجان شاطر من عرب الأمير هبش ، وتواعدنا مع الهجان إلى محل معلوم. وثاني يوم رحل هبش بكامل عربه. فودعناه واستكثرنا بخيره على تعبه معنا. وابتدأنا نحن نرحل رويدا رويدا منتظرين قدوم الهجان. وكان مضى على ذهابه ثمانية أيام ، وكنا دخلنا في طبراق بلاد كرمان ، وإذ وقع الصوت (٣) ، فركبت الخيل وطلبت صوت (٤) الرعيان. وكانت غارة علينا من عرب الرديني يريدون أخذ طرشنا (٥). فوصلت خيلنا وصارت الحرب بشدة نحو ساعتين من الزمن ، فما استطاعوا أن يأخذوا شيئا بل انكسروا وارتدوا ووقعت الدماء من الطرفين. فغمنا ذلك ، لأن هذا الأمر يصعب معه الوفق والمحبة فيما بيننا ويبعد الصلح. وبعد يومين وإذ بركب عظيم مقبل علينا ، وشنّ الغارة على طروشنا لأجل فتح الشر. فركبت فرساننا وركضت رجالنا وتصاعد العفار. وكانوا أكثر مننا إلا أن عربنا أشد حربا منهم وأفرس من فرسانهم. وظهر ذلك اليوم فعل من الدريعي بذاته ما فعله عنتر. وكنا دائما خائفين أن ٢ / ١٠٢ تأتي عربان ملبية نداءه (٦) ، لأنه يقود قبائل كثيرة ، والمدن قريبة منه. /
فرجحنا عليهم بالحرب ، ولكننا حسبنا له حسابا كبيرا ، لأنه يستطيع أن يأتي بعربان وعساكر ويضرنا لأننا قليلون. ثم وفّق الباري تعالى إذ نفذ علينا الهجان حين انكسروا ، وانفصلنا عن بعضنا ، ومعه كتاب عظيم من عند الأمير سعد إلى الرديني وكان بهذه اللفظات :
__________________
(١) «ضشمان».
(٢) «وتمجيد له على فراقه».
(٣) «صوط».
(٤) «صوط».
(٥) الماشية.
(٦) أي نداء الرديني.