الجمل وقرمت لحمه لا يمكن أن يرفع رأسه حتى يخلص الهواء ولو دام يومين. فحالا أعد العرب المواقع التي يمكن أن يحتموا بها من ذلك الهواء. وحالا أغلقوا بيوتهم من أطرافها الأربعة ، وأدخلوا الماء إلى داخل البيوت وسدوا آذان الخيل كلها لأن الخيل يصيبها الضرر من هذا الريح في أذانها. وحالا كل واحد غطّى رأسه بمشلحه وقعد في ناحية. ثم وصل الهواء المسم الشنيع الناري ، فكأن أبواب جهنم قد فتحت : نار لا توصف وترى البراري تلتهب من النار والغبرات الحمر والزوابع متصلة والأرياح العاصفة غير منفصلة ، وتسمع هدير الجمال وصهيل الخيل وعويل الكلاب ، شيء يفزع الأسد. والذي يريد أن يشرب يمشي على يديه ورجليه ويذهب ليشرب من قربة الماء وقد أصبحت بالحقيقة أسخن من ماء الحمام الغالية. النتيجة أن الدنيا قد اشتعلت نارا. ودامت هذه الحالة عشر ساعات متواصلة حتى كادت تخرج ٢ / ١١٦ أرواحنا / وبعد ذلك ابتدأ الهواء يخف رويدا رويدا إلى أن انقطع تماما ، وجملة ما دام ست عشرة ساعة. فخرجنا من البيوت وخرج الناس كافة ، ولكن كنت ترى وجوه العربان سوداء كأنهم خرجوا من حريق. ومن ذلك الهواء مات في نزلنا ثمانية أنفار ، منهم خمسة أولاد وامرأتان ورجل واحد. والموتة بهذا الهواء سريعة جدا مثل الرمي (١) بالرصاص ، لأن الإنسان حين يشم هذا الهواء المسم يبتدئ الدم حالا يخرج من مناخيره وفمه بكثرة ، وخلال ساعة من الزمن يصبح أسود مثل الفحم وييبس ويموت موتة رديئة أنجس من الطاعون. فشكرنا الله تعالى الذي أنقذنا من هذا الخطر المحدق (٢) العظيم. وسافرنا في اليوم الثاني وكنت دائما أفكر بخوف شديد بهذا الهواء ، خشية من أن يحصل مرة ثانية ونكون سائرين وحدنا بالطريق من غير بيوت عرب نأوي إليها فنهلك حالا بلا شك (٣).
__________________
(١) «قويص».
(٢) «القطوع».
(٣) نصف الصفحة ٢ / ١١٦ بياض ، وكذلك الورقة ١١٧ و١١٨ والصفحة الأولى من الورقة ١١٩. وهذه الصفحات البيضاء تدل على أن الصايغ كان يريد أن يضيف بعض المعلومات ، ثم لم يتمكن من ذلك لأسباب نجهلها.