أما بخصوص شريعتهم فهي مثل الشريعة المحمدية ولا فرق بينهما كليا (١). ولكن أين من يصغي أو يفهم منهم؟ فهم جماعة مثل وحوش البرية ، ولهم مثل يرددونه دائما : «دفتر البرية مشقق» ، أي أن ليس عندهم شرع ولا كتاب. وإذا حدث واحتاجوا إلى أمر يقتضي ١ / ١٢١ له الشرع ، فإنهم يذهبون عند أحد الأمراء أو مشايخ الحكم لأن ليس عندهم مشايخ دين. / وهذا الشيخ أو هذا الأمير ينهي الدعوى بينهم على أساس الوفق والصلح ، لا على قياس الشرع. والسبب بذلك أنك إذا أنهيت الدعوى على حسب الشرع ، لا بد من أن يكون أحد الخصمين مفشولا ، كما هي العادة. وإذا كان مفشولا لا يقنع بل يذهب ويثير حمولته ، يعني طائفته وأصحابه ، ويغير على طرش عدوه ، وتحدث فتن وخصومات ويأخذ حقه بيده من غير قاض ولا مفتي. فلعلم الأمراء والمشايخ بذلك ، فإنهم ينهون الأمور بالمصالحة ، لكي لا تكثر الفتن والعداوة فيما بينهم. وحدث أن شابين من قبيلتين مختلفتين كان لأحدهما بنت عم جميلة الصورة ، فوضع عينه عليها ليأخذها ، وهي تحق له شرعا كما هو معلوم ، إلا أن الشاب الغريب وضع عينه عليها أيضا ويريد أن يأخذها. فدخل حبها في قلب الاثنين ، وابتدأت المشاجرات والجدالات والقتال بينهما. فكان ثلاثة أرباع العربان [مع ابن العم ، وكذلك] كل الأمراء والمشايخ حتى أنا من الجملة ، أولا لأن ابن عمها شرعا أحق من الغريب ، ثانيا لأنه رجل لائق عاقل إنساني (٢) كريم ، معروف بين العربان ، طعّام عيش ، جميع صفاته محمودة (٣). أما الثاني فغريب ، من طائفة وضيعة معلول النسب ، غير أنه فارس عظيم ٢ / ١٢١ مشهور بين العربان وله أقرباء وأخوة فرسان يهابهم العرب / بسبب فروسيتهم. [وكانت تحدث] كل يوم اجتمعات عند الأمراء ، وجدالات (٤) وقتال وعداوات. وفي كل اجتماع يحكمون أن البنت لابن عمها ، وهذا الحل أفضل وأحسن شرعا بالنظر إلى شريعتهم. وكان آخر اجتماع عند أميرنا الدريعي ، بحضور جملة مشايخ وأمراء وكبار العرب. فالجمهور جميعه حكم وجزم أن ابن عمها يأخذها ولا يكون غير ذلك. فحين رأى الشاب أنه قد خسر ، وأن البنت قد راحت من يده ، قام من المجلس بكل حمق وغيظ ، وركب على ظهر جواده ، وأخذ رمحه بيده وهزّه أمام بيت الدريعي وقال : هذا القاضي وهذا الشرع (يعني رمحه) ، والتفت إلى
__________________
(١) ما يقوله الصائغ عن القضاء البدوي يجب إعادة النظر فيه على ضوء الأبحاث الحديثة.
(٢) «آدمي».
(٣) «من جميعه مليح».
(٤) معالجات.