بثمنها ، لأنها كانت تساوي مبلغا وافرا من المال ، فمن جملة النحوس أنها ماتت. فصرت تارة أمشي وتارة أركب قليلا مع الخادم إلى أن دخلنا اسلامبول ، وأقمنا بالطريق ثلاثة أشهر ونحن بعذاب شديد. فحين وصولنا بلغتنا الأحوال التي جرت على الجيوش الفرنسية في مدينة موسكو ونواحيها فغمنا ذلك جدا ، وزاد الغم علينا إذ حدث وقتئذ طاعون في اسلامبول ، فاضطر حضرة الجنرال اندريوسي (١) ، الذي كان السفير (٢) يومئذ ، أن يرسلنا إلى محل خارج البلد يقال له كاغة خانه ، فأقمنا هناك ثلاثة أشهر إلى أن انتهى الطاعون. وكانت تواردت ١ / ١٢٧ الأخبار بانكسار الجيش الفرنسي وتراجعه وتلك الأحوال / التي حصلت المعروفة ، فصعب علينا ذالك جدا وأصابنا غم شديد ، وأصبحنا لا نعرف ما ذا نفعل ، وكنا مثل المجانين. وبعد أن أقمنا خمسة أشهر في اسلامبول قال الخواجه لاسكاريس : أنا الرأي عندي أن نتنقل بحرا من جزيرة إلى جزيرة إلى أن نعود إلى بر الشام ، وفي مسيرنا نستنشق أولا أخبار فرنسا ، ثم أريك جزر ارشيبيلاكو (٣) ونرى كيف الله تعالى يدبرنا. فاعتمدنا على هذا الرأي ، وسافرنا من اسلامبول مع قايق أروام ، ودرنا بعدة جزر ، وكانت الأخبار تأتينا بعكس ما نتمناه.
ثم سافرنا من جزيرة الساموس ، مع مركب آت من اسلامبول يشحن قمحا إلى جزيرة الساقظ ، فسافرنا معه تلك الليلة ، وبعد منتصف الليل ابتدأت عاصفة عظيمة وإعصار شديد جدا ، فذهب بعدد من البحارة وأخذ بعض الركاب من على ظهر المركب ، فرمينا الحنطة بالبحر ، ولم يبق برميل ولا صار ولا شراع [إلا ذهبت به الرياح] ، فدخلنا جزيرة الساقظ ونحن على آخر رمق ، فوجدنا بالجزيرة الطاعون فظللنا شهرين في دار صغيرة في حصار من الطاعون تحت اشراف الخواجه بورفيلو (٤) الذي كان عندئذ قنصلا. وخلال هذه المدة توسخت ثيابنا وأصبح من اللازم غسلها غير أننا كنا لا نستطيع أن نعطي حوائجنا ٢ / ١٢٧ خارج البيت خوفا من الطاعون ، فوجدت من المستحسن أن أقوم أن بغسلها ، وكنت رأيت / النساء تغلي الحوائج فتنظف عاجلا من غير تعب الأيادي. فأخذت من عند بيت القنصل دستا كبيرا جدا من النحاس ، وصبرت إلى الليل لكي أضع فيه الحوائج التي علينا وأغسل الجميع غسلة واحدة ، وحين كان وقت النوم وضعت جميع حوائجنا في ذلك الماعون ،
__________________
(١) Andreossy كان سفيرا من ٢٦ / ٥ / ١٨١٢ إلى ١٣ / ٨ / ١٨١٤.
(٢) (إلجيّ).
(٣) Archipielago.
(٤) Bourville.