وكتب الحاكم لعنة على كل من يسد هذا الشباك مرة أخرى. ويكاد أن يكون هذا المكان مجهولا الآن ، ولا يعرفه إلا القليل من الناس ، لأنه في موضع مخفي جدا ، وقد سدّ ثلثا باب المغارة بالحجارة كي لا يدخلها (١) أحد.
ثم نزلنا من القلعة ، وقد أخذنا العجب مما شاهدناه ، وذهبنا إلى غرفتنا حيث استرحنا وأكلنا ما لدينا من الزاد. ثم قال لي الخواجه لاسكاريس : يا حبيبي هل تقيد بالورق كل ما رأينا؟ فقلت : لا ، لأنك لم تسألني ذلك. فقال : فكر بجميع ما وقع لنا من يوم خروجنا من حلب وقيده ، وأريد منك أن تسجل ، كل يوم ، جميع ما نراه وما يجري علينا ، من مليح ومن قبيح. وعند المساء تقرأ لي ما كتبته حتى أقيده عندي باللغة الفرنسية. فقلت : سمعا وطاعة. ومن ذلك اليوم ابتدأت أحرر كل ما يحدث لنا يوما بعد يوم. وعند المساء ، قبل النوم ، اقرأ له ما كتبت ، وهو بدوره يقيد عنده ، في كتاب خاص ، جميع ما حدث في ذلك النهار ، واحفظ عندي في صندوقي الورقة الطيارة. واستمريت على هذا الحال ، كل يوم أكتب ما يقع لنا وما نشاهد ونسمع ، مدة ست سنوات سياحتنا ، بل إني تابعت التدوين مدة عدة أيام بعد نياحة المرحوم لاسكاريس أبي الروحي ، الذي قضى نحبه [في نهاية رحلتنا] ، كما ١ / ٩ سنشرحه لمسامعكم الكريمة / في آخر هذه السيرة.
ثم أقمنا في حمص ثلاثين يوما. ومن جملة ما شاهدناه وعرفناه أن أهلها كرام (٢) ، أصحاء الأجسام ، أنقياء الدم. حمر الوجوه ، نساؤها جميلات وكذلك رجالها ، إلا أنهم غشماء ، خلافا لأهل حماة ، مع أن المسافة بين البلدين لا تزيد على اثنتي عشرة ساعة ، كما ذكرناه سابقا. وهذا الفرق العظيم في الطباع ناتج عن الماء مع أن البلدين يشربان من العاصي. إلا أن الماء تتغير بمرورها في الأراضي ، ولذا فإن الماء الداخلة إلى حماة زرقاء صافية. بينما مياه حمص بيضاء مثل الحليب ، فعرفنا أن الفرق بين سكان البلدين ناتج عن هذه الحركة.
وبعد ذلك قلنا لنوفل : نريد أن نتوجه إلى قرية صدد ، ونرغب من همتك أن تجد لنا أناسا يحملون بضائعنا ويذهبون بنا إلى صدد. فقال على الرأس والعين. وغاب ساعة من
__________________
(١) «يفوت».
(٢) «محسنين».