لأن الكوفية ، مهما كانت متانتها ، لا تثبت (١) على رأس البدوي أكثر من سنة. فهو يستعملها لتقيه من الحر والبرد. وهي في الوقت نفسه منديل للمخاط ، ومنشفة للوجه والأيدي ومسح العرق. والخلاصة أنها كثيرة المنافع ، بل إن نصف كسوة البدوي كوفيته. وأهل البادية هم بذلك على صواب ، إذ لا بدّ من كوفية في البادية (٢). كما تبين لنا بعد الخبرة والمشاهدة ، لأنها ترد عن الوجه والأذنين والرقبة حر الشمس ووهجها صيفا ، وتقي من البرد والهواء والمطر شتاء. وهي نافعة جدا ، وثمنها يختلف على حسب صنفها. فالصنف العالي منها يبلغ ثمنه سبعة أو ثمانية غروش. أما الصنف الواطي فيكون ثمنه ثلاثة أو أربعة غروش. وبلغ ثمن جميع ما اشتريناه وذكرناه آنفا نحو ست مائة غرش ، فحزمناه ووضعناه مع جملة الرزق في الغرفة.
وقال لنا نوفل في بعض الأيام هل ترغبون في زيارة القلعة ورؤيتها (٣). قلنا نعم ولكننا نخاف أن يحصل لنا ما حصل بحماة. فقال أنا المسؤول عن كل ما يحدث. فتوجهنا إلى القلعة ، وصعدنا إلى أعلاها ، وزرنا كامل المخادع ، لأنها بها من العمار القديم القائم أكثر من حماة. وبينما نحن ندور فيها ، وصلنا إلى مكان مثل المغارة ، فنزلنا ووجدنا في صدر المغارة ماء جارية آتية من الغرب ورائحة نحو الشرق ، وهي تخرج من طاقة طولها ذراعان وعرضها ذراع ، وتجري الماء نحو أربعة أذرع ، ثم تدخل في شباك من حديد متجه نحو المشرق ، إلا أن هذه ٢ / ٨ المياه غزيرة قوية ، يمكن أن تدير حجر طاحون ، وهي تنحدر من المغرب / وتجري نحو الشرق ، ولا يعرف أحد من أين تأتي ولا إلى أين مجراها. فشربنا منها وهي ماء طيبة عظيمة ، ولكنها في مكان مخفي نوعا ما ، ولا يتجرأ (٤) إلا القليل من الناس على النزول إلى المغارة لرؤية هذه الماء. وأخبرنا نوفل أنه سمع من بعض الرجال الطاعنين في السن (٥) أن هذا الشباك كان سدّ في الزمن القديم فجرى الماء في خندق القلعة. ولكن بعد ستة أشهر حضر درويش من العجم وصعد إلى القلعة وفتح الشباك. وسمع به الحاكم فأمر بإحضاره وأراد قتله ، لأنه عمل شيئا ، ولم يأخذ إذن الحاكم. ففدى الدرويش نفسه بمبلغ من المال ، قدمه للحاكم ، حتى صفح عنه.
__________________
(١) «تضاين».
(٢) «الجول».
(٣) «تتفرجوا».
(٤) «له جراعا».
(٥) «اختيارية» ـ ختيارية.