جئتك بالفرس؟ فقال أعطيك ملأ عليقها دراهم. وكان البدوي من عرب بني صخر. فراح ودخل عند عرب ولد علي ، وصار يدور [بين المنازل] ويميزها إلى أن وصل إلى بيت جبل ، صاحب الفرس المعروفة. فنظر وميز جيدا محل الفرس ، وعرف أين يربطها صاحبها خلال كل ليلة. ثم ذهب واختبأ في مغارة قريبة إلى أن انتصف الليل ، فجاء إلى بيت جبل ، فوجد الفرس أمام البيت ، وأرجلها مقيدة بالحديد ورأس الجنزير الغليظ ، قد أدخله جبل إلى وسط بيته حيث دق سكة وفرش فوقها فراشه ونام هو وامرأته عليها. فخلع جعيفر ثيابه وبقي عاريا حسب عوائد العرب ، لأن رجالهم ينامون عرايا تماما. ودخل بكل ظرافة بين جبل وامرأته. ٢ / ٢٨ فتارة يتمطى ويلزّ بالمرأة ، فتظن / أن زوجها في نومه [قد فعل ذلك] فتتزحزح له عن مكانها قليلا ، وتارة يلز بالرجل فيظن أنها امرأته فيتزحزح لها قليلا. ولم يزل على هذه الحال حتى عمل فاصلا بين المرأة والرجل بمقدار ذراع. وكان معه سكين حادة (١) فقوّر الفراش وخلع السكة من الأرض ووضعها (٢) على الأرض ، وقام بكل ظرافة من بينهما ، وطلع وسحب الجنزير والسكة إلى خارج البيت ، وخلّص قوائم الفرس ، ولبس ثيابه ، وأخذ رمح جبل ، وركب على الفرس ، ومدّ الرمح ولكز به جبلا ، ونبهه من نومه وقال : يا جبل ، لا تقل ما أنذرتني ، فها أنا جعيفر أخذت الفرس للوزير. فقام جبل مصروعا مثل المجنون ، ورمى الصوت في منازل ولد علي ، فركبت الخيل حالا وطارت خلفه. وكان بينها خيول عظام مشهورة ، ولكن ليس لها شهرة هذه الفرس إنما تقربها. وركب جبل فرس أخيه وهي أيضا عظيمة ، مشهورة. وصارت المطاردة فيما بينهم ، وظلوا على هذه الغارة ست ساعات. وكان أكثر الناس اقترابا من جعيفر أربعة خيالة ، وعلى الأخص جبل المذكور ، فإنه اقترب كثيرا ولم يبق لامساكه إلا القليل وفي ذلك الوقت صاح جبل : يا جعيفر : «انستر لجامها واقرص أذنها اليمين واعطبها بالركب ، تروح ولا تعود تلتحق». وهذا عند العرب يسمونه السرّ. فلكل فرس سرّ لقّنها أياه صاحبها وهو لا يقوله إلى أحد ، وذلك فقط في حين الحاجة الماسة. ففعل جعيفر حسب ما قال له جبل ، فطارت الفرس كأنها اللمع في كبد الجو ، وفي قليل من الوقت غاب جعيفر عن الخيل. فقال الخيالة الأربعة رفقاء جبل : ما هذا العمل يا جبل؟ فقال : أفضل أن تؤخذ فرسي ولا يقال أنه وجد بين خيول ولد علي من يلحقها ويعيدها ، فيكون ذلك عارا عظيما علي ، وإنه أحب إلي أن تذهب مني ولا يطلع عليها هذا الصيت ،
__________________
(١) «حادقة».
(٢) «ونيمها».