فرجعوا. وأما جعيفر فإنه أخذها للوزير وحكى له ما فعل ، فأنعم عليه وأعطاه على حسب ما وعده وأكثر.
وحكى لنا أيضا أن بدويا ، من عرب نجد ، كان عنده فرس عظيمة مشهورة أكثر من فرس جبل الذي ذكرناه آنفا. فعشقها بدوي آخر من غير قبيلته وأرسل يشتريها ، فلم يرض صاحبها ببيعها. وعمل الآخر كل جهده للحصول عليها فلم يصل إلى نتيجة. فاضطر أن يذهب بنفسه إلى نجد ودخل بين العرب وترقب الفرصة ، وعلم أن صاحب الفرس سيمر من الطريق الفلاني. فراح صبغ حاله بالحشيش وربط رأسه وحزم رجليه وعصب رقبته وعمل ١ / ٢٩ نفسه / مريضا عدمان ، مشرفا على الموت وبحالة التلف. وراح ورمى نفسه على الطريق التي سيمر بها صاحب الفرس. وإذ حضر صاحب الفرس راكبا فرسه ومارا في الطريق ، فرأى هذا الرجل المسكين مرتميا ، وهو يعن ويتلوى على جانبه ويستجير ويصيح. فأتى نحوه صاحب الفرس وسأله عن حاله فقال له : يا صاحب الخيرات ، أنا رجل فقير وغريب ، وبي أوجاع كثيرة ومشرف على الموت. ولي يومان بهذه الأرض المنقطعة من غير أكل وشرب ، وقد عدمت بالكلية ، ولم يبق لي قوة على القيام من هنا ، فافعل معي خيرا والله يكافئك عني. فتوجع قلبه له ، ونزل من على ظهر فرسه ، وحمله بين يديه ، ووضعه على ظهر الفرس ، ومشى أمامه حتى يأخذه إلى بيته. فذلك الحين ، وقت صار على ظهر الفرس ، نهزها بالركب وطار بها. فصاح عليه صاحب الفرس : يا فلان قد فهمت ملعوبك ، ولكني أرجو منك أن لا تحكي هذه الحكاية لأحد لكي لا تصير سببا لقطع الخير ، إذ لا يبقى في الدنيا من يشفق على عاجز يحمله ، خوفا من حيلة مثل هذه ، فتكون سببا لعدم فعل الخير في العالم. فأصغى البدوي إلى هذا الكلام وارتدّ على أعقابه ، ونزل من على الفرس وسلمها له. فتصافحا كثيرا وصارا أخوين وذهبا سوية إلى بيت صاحب الفرس ، حيث بقي البدوي في ضيافته ثلاثة أيام ، ثم رجع إلى عند أهله.
فهتان الحكايتان اظهرتا لنا مروءة العرب ونخوتهم. وقد سرّ الشيخ إبراهيم جدا تلك الليلة. وقال لي عند النوم : يا ولدي ، إنني لا أريد شيئا من هذه القبائل ، سكان حوران وبلاد الجليل ، إنما أود فقط أن تتمرن على عشرة العرب وتتقوى بلغتهم لأن كلامهم يختلف كثيرا عن كلام أهل المدن ، والذي لم يعاشرهم لا يمكنه أن يفهم منهم شيئا ما. فلا تتعب نفسك