البضائع التي معهما ، لأن لاسكاريس كان يمنعه من عرضها في الأسواق. ثم اتضح له شيئا فشيئا أن معلمه يرمي إلى هدف سياسي لا علاقة له بالتجارة ، وهو التعرف بالبدو والاطلاع على أحوالهم. ولذا طلب لاسكاريس من رفيقه أن يسجّل يوميا ، على ورقة ، جميع ما وقع ويقع لهما من حوادث ، منذ مغادرتهما حلب ، وهو بدوره يدوّن ملاحظاته في دفتر باللغة الفرنسية ، مستعينا بمذكرات الصائغ. ويعلمنا فتح الله أنه ظل يكتب يومياته مدة ست سنوات ، إلى ما بعد وفاة لاسكاريس في القاهرة.
وتابعا رحلتهما فذهبا إلى صدد ، قرية جميع سكانها من السّريان النصارى ، وعرضا بضاعتهما على الناس ليظنوا أن غايتهما من هذه الزيارة البيع والشراء ، ثم توجها إلى القريتين ، ومنها إلى تدمر ، بصحبة رفيق من البدو ، تعهد بإيصالهما بالسلامة. ثم ساعدتهما الظروف فتعرفا بالأمير ناصر ، ابن الأمير مهنا الفاضل المعروف بالملحم ، شيخ الحسنة ، فحلّا ضيوفا على هذه القبيلة.
وبعد أن أقاما مدة عند عرب الملحم تبين للاسكاريس ، أو الشيخ إبراهيم كما تسمى عند البدو ، أن الأمير مهنا وبالأولى ابنه ناصرا يتبع سياسة خرقاء ترمي إلى فرض سيطرته على القبائل بواسطة العثمانيين ، مما تأباه الفردية البدوية ولا يتماشى مع الأهداف التي يتوخاها عامل نابوليون. واتضح له ، بعد أن درس أحوال البادية ، أن الشيخ الذي يتمكن بواسطته من تحقيق مآربه هو الدّريعي بن شعلان ، أمير عرب الرولة. فطلب عندئذ من رفيقه ـ الذي تسمى عبد الله الخطيب ـ أن يبذل جهده للوصول إليه ، على الرغم من المشقات وبعد المسافة ، لأنه كان ضاربا خيامه في الجزيرة ، قرب مدينة دير الزور.
وكان لا بدّ للشيخ إبراهيم من اطلاع ترجمانه على الغرض الحقيقي من هذه الرحلة : فأعلمه عندئذ أن الغاية منها الكشف عن أحوال البدو ، والتعرف بكبار أمرائهم ، وكسب صداقتهم ، والسعي في جمع كلمتهم وأبعادهم عن العثمانيين ، والعمل على معرفة الصحارى ومسالكها ومياهها ، وأن الهدف السياسي هو توحيد صفوف البدو ليكونوا عونا لجيش كبير سيمر بالشرق ويقطع الصحراء قاصدا