وتحدث الصايغ في مذكراته عن العادات والأعراف البدوية ، وعن القبائل التي اتصل بها ، وذكر اسماء شيوخها وعدد مقاتليها ، وتكلم عن الوهابيين وحروبهم وغزواتهم على عرب الشام ووقائعهم مع الدّريعي بن شعلان ، شيخ عرب الرّولة ، ووصف الدّرعيّة ، كما وصف عددا من البلدان والقرى السورية ، مثل معرّة النّعمان وحماة وحمص والقريتين وصدد ، وأتى على ذكر بعض الأماكن الأثرية ، مثل رستن وتدمر وقصر الحير الغربي.
كان فتح الله الصايغ شابا لم يتجاوز العقد الثاني من عمرة حينما اتصل به رجل من الافرنج ، في متوسط العمر ، يدعى تيودور لاسكاريس ، وطلب منه أن يعلمه اللغة العربية. وكان ذلك بمدينة حلب سنة ١٨٠٩ ، وهي وقتئذ مركز تجاري هام ، ومحط قوافل الهند والأناضول. ومع أن فتح الله المذكور كان يميل إلى التجارة ، ويجهل مهنة التعليم ، فإنه قبل هذه المهمة ، لأنه كان صفر اليدين ، على أثر صفقة تجارية خاسرة في جزيرة قبرص ، فرضي بالشروط السخية التي عرضها عليه لاسكاريس ، لا سيما بعد أن عرف أن المذكور من كبار الافرنج وأشرافهم ، من أسرة بيزنطية عريقة أشتهر منها عدد من الملوك والعلماء. ولكنه على الرغم من كرم أرومته ، كان يلبس الألبسة الشرقية الشعبية الزريّة ، ويأكل في الأسواق.
وبعد مضيّ ستة أشهر تعلم خلالها لاسكاريس قليلا من العربية قراءة وكتابة ، عرض على فتح الله أن يقوما برحلة في أنحاء البلاد السورية ، سعيا وراء أرباح التجارة ، وأعطاه الأموال لشراء البضائع التي تصلح لأهل البادية ، وشرط عليه أن يطيعه طاعة عمياء ، ولا يخالفه في شيء. فقبل الصايغ هذه الشروط وأخذ يعد أهبته للسفر.
غادر لاسكاريس وترجمانه حلب إلى سرمين ، يوم الخميس الواقع في ١٨ شباط سنة ١٨١٠ ، على طريق القوافل ، ثم قصدا معرّة النّعمان ، ومنها إلى خان شيخون ، ثم إلى حماة حيث أمر الحاكم ، سليم العظم ، بسجنهما بتهمة التجسس. ولكن البرطيل انقذهما سريعا من الزنزانة ، فتابعا سفرهما إلى رستن فحمص. وطابت لهما الإقامة في هذه المدينة فبقيا فيها إلى نهاية الشتاء.
وكان الصايغ على جهل بغايات معلمه السياسية ، ويتساءل ما هو مصير