وحواء (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ)(١) ، إنها شجرة الخلد ، من أكل منها لم يمت ، وأيكما أكل قبل صاحبه ، كان هو المسلط على صاحبه.
فابتدرا الشجرة ، فسبقته حواء ، وأعجبها حسن الشجرة وثمرها ، فأكلت وأطعمت آدم (٢) ، فلما ذاقا الشجرة سلبا ثيابهما ، وبدت عوراتهما ، فأبصر كل واحد منهما ما وروي من صاحبه من عوراتهما ، فاستحييا ، فقعدا (يَخْصِفانِ)(٣)(عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ)(٤) ليواريا سوءاتهما.
ثم ناداهما ربهما فقال : يا آدم ، فقال : يا رب ، أنذا عريان ، قال له : وممّ ذلك؟ إنك عريان من أجل أنك أكلت من الشجرة التي نهيت أن تأكل منها ، يا آدم ، حرام على الأرض أن تطعمك شيئا إلّا برشح الجبين أيام حياتك ، حتى ترجع إلى الأرض التي أخذت منها ، فاعتلّ آدم بحواء فقال : هي أطعمتني وأكلت ، قال : (اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً)(٥).
وقال عطاء :
إن الله تعالى كان أمر آدم ألا يأكل من تلك الشجرة ، ولم تعرف حواء تلك الشجرة ، فجاء إبليس إلى سرح الجنة (٦) فعرض نفسه عليهم ، فأبى أحد منهم أن يقبله ، فجاء إلى الحية فتنفس الصعداء ، فقالت الحية : يا إبليس ، ما لك؟.
وذلك أن إبليس كان قبل ذلك أحسن ملائكة أهل سماء الدنيا وجها وأشدهم عبادة وأعلمهم.
فقال الله : اهبط منها واخرج منها ، يعني من صورة الملائكة إلى صورة الأبالسة ، فتحول إبليس عن صورته ، فسمي إبليس لأنه أبلس فصار ملعونا ، فصار ذقنه مما يلي جبينه ، وجبينه مما يلي ذقنه ، ومنخراه مما يلي عينيه ، وجفون عينيه شقهما مما يلي رأسه ، وتحول
__________________
(١) سورة الأعراف ، الآية : ٢١.
(٢) جاء في تفسير القرطبي ٧ / ١٨٠ أكلت حواء أولا فلم يصبها شيء ، فلما أكل آدم حلت العقوبة.
(٣) يخصفان يلزقان بعض ورق الجنة ببعض ليسترا به عوراتهما.
(٤) سورة طه ، الآية : ١٢١ وسورة الأعراف ، الآية : ٢٢.
(٥) سورة البقرة ، الآية : ٣٨. قوله اهبطوا منها جميعا هو أمر لآدم وإبليس ومعهما ذريتهما ، وحواء والحية معهم أمروا جميعا أن يهبطوا من الجنّة إلى الأرض.
(٦) سرح الحنة : حيوانها وسائمتها.