أصابعه مما يلي زنديه ، وأصابع رجليه مما يلي عقبيه ، وصار شره ناتئا في رأسه منكوشا كأنه أجمة.
قال : فلما رأته الحية رقت له ، وتنفس الصعداء إبليس ، فقالت له : ما بك يا إبليس؟ فقال لها : ليس على نفسي أحزن ، لقد نزل بي ما ترين ، ولكن أحزن عليك أن ينزل بك من هذا مثل الذي نزل بي ، فقالت الحية : ما أنا بآمنة منه ، فقال لها : هل لك ، ويلك ، أن تحمليني بين شدقيك فتدخليني الجنّة ، فإن الخزّان لا يدعونني أن أدخلها ظاهرا ، وإذا كنت بين شدقيك لم يروني ، وأنا أغويه حتى أخرجه من الجنّة.
فقالت : نعم ، ففغرت فاها فاحتملته بين شدقيها ثم دخلت الجنة ، فجاءت الحية إلى حواء ، فقالت لها : وإبليس يقول لها على لسان الحية ، يا حواء ، ما نهاكما ربكما في الجنة؟ قالت : شجرة أمرنا ألا نقربها. قال : فأين تلك الشجرة؟ قالت : إنما علم بذلك آدم ، فقال إبليس بلسان الحية : قد ترين سعة الجنة ، وأنا لك ناصحة ، فلعلك فيما تجولين في الجنة وليس معك آدم فتنتهين إلى تلك الشجرة ، فتأكلين فتخرجين من الجنة ، ويبقى آدم ، أفلا تسألين آدم أن يخبرك : أي شجرة نهانا ربّنا عنها؟ فقال لها : ويلك ما لك وذاك؟ إن ربي أمرني ألّا أعلمها أحدا ، فقلت : فلعلي أفارقك في بعض ما أجول في الجنّة ، فآكل منها ، فأخرج منها وتبقى أنت فيها ، فرقّ لها ، وخاف عليها ، فانطلق بها إلى الشجرة ، فقال : هذه.
فانصرف عنها إبليس ، فجاءت الحية إليها فقال لها إبليس على لسان الحية : أخبرك آدم عن الشجرة؟ قالت : نعم ، فقال : أي شجرة هي؟ قالت هذه التي في وسط الجنة ، ثم سكت عنها إبليس حتى نسيت.
ثم جاء وهو في الحية إلى آدم فقال : يا آدم ، أخبرك ربك أن في الجنة شجرة من أكل منها خلد في الجنة ، وصار ملكا يعلم كل شيء؟ قال : لا ، قال : فيسرك أن أريك؟ قال : نعم ، فانطلق به إلى الشجرة التي نهي عنها ، فعجب فقال : إن ربي نهاني عنها ، وقال : لا تخبر أحدا بهذه الشجرة ، ولم أخبر بها أحد غيرك يا حواء ، فمن أين علم هذا؟.
فقال عند ذلك : يا آدم ، وحلف له : (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ)(١) هذه (شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى)(٢) فلما أن حلف قال آدم لحواء : فأنا أدع أكل هذه الشجرة ، فقالت حواء : أما
__________________
(١) سورة الأعراف ، الآية : ٢١.
(٢) سورة طه ، الآية : ١٢٠.