فذكر قصة إرساله إلى أم منظور ، وسؤاله عن ذلك ، وقد ذكرت ذلك في ترجمة بثينة (١) ، فقال مصعب : أفلا تجلين عائشة بنت طلحة عليّ كما جليتها؟ قالت (٢) : هيهات هي بين يديك في كلّ ساعة ، وفي كلّ وقت ، قال : فإنها من أشكر خلق الله خلقا فتصلحين بيني وبينها ، لقد بلغ من شكايتها أنّي بعثت إليها أترضّاها ، وبعثت إليها بأربعمائة ألف درهم فردّتها عليّ ، وشتمت الرسول ، قال : فدخلت عليها أم منظور ، ثم قالت : مثلك في شرفك (٣) وقدرك في نفسك ينسب إليك هذا الخلق ، وهذا الفعال (٤) الذي لا يشبهك ، تحوجين زوجك إلى هذا؟ قال : فسكتت عائشة فلم ترد عليها ، وخرجت أم منظور ، فقالت لمصعب : قد كلّمتها لك ، فسكتت ، ورضاها صمتها. قال : ودخل مصعب ، فلما رأته أمرت بالباب فأغلق في وجهه ، فكسر الباب ، ودخل ، فتنازعا فضربها ، وضربته فأصلحت بينهما أم منظور ، فقال مصعب لعائشة : هذه أربعمائة ألف درهم ، قد حضرت ، وإلى أيام يأتينا مثلها ، نأمر بدفعها إليك ، قال : فأمرت عائشة بدفع الأربع مائة المعجلة إلى أم منظور.
أخبرنا أبو محمّد بن طاوس ، أنا أبي أبو البركات أحمد بن عبد الله بن طاوس ، أنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي ببغداد ، أنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن الحسن ابن شاذان ، نا أبو بكر محمّد بن أبي الأزهر قال : وأخبرني ابن وادع (٥) الوراق قال : مرّ بي بلبل المجنون يوما ، فجلس إلي ، وأقبل ينظر في بعض الكتب التي كانت بين يديه (٦) ، فمرّت به أبيات فيها :
ونهتجر الأيام ثم يردّنا (٧) |
|
إلى الوصل أنّا لم يكن بيننا ذحل (٨) |
فقال لي : أتعرف من تمثّل بهذا البيت في بعض الأمر؟ قلت : لا ، قال : كانت عائشة بنت طلحة تحت مصعب بن الزبير ، فعتبت عليه بسبب بعض جواريه ، فهجرته فبلغ ذلك منه
__________________
(١) تقدمت ترجمتها في هذا الجزء.
(٢) بالأصل و «ز» : قال.
(٣) بالأصل : شريك ، والمثبت عن «ز».
(٤) كذا بالأصل ، و «ز» : الفعل.
(٥) كذا بالأصل و «ز» ، والمطبوعة ، وفي المختصر لابن منظور : ابن وداع.
(٦) كذا بالأصل و، وفي المطبوعة : يدي.
(٧) بالأصل : «ردنا» وفي «ز» : «تردنا» والمثبت عن المختصر.
(٨) تحرفت في «ز» إلى : دخل.