يا جارية ، اطرحي لنا حبلاً ، ثم قال : يا لهذم ، اخرُج بنا إلى المِربَد فألقهِ في عنق ما شئت من إبل الناس ، فتخيّر لهذم على عينه ناقة ، ورمى بالحبل في عنقها ، وجاء صاحبها ، فقال له الفرزدق :
اغذُ عليَّ اُوفِّكَ ثمنها ، فجعل لهذم يقودها والفرزدق يسوقها ، حتى أخرجها من البيوت إلى الصحراء ، فصاح به الفرزدق : يا لهذم ، قبّح الله أخسرنا !
فخبَّر الشاعر عن القبر بقوله : « فقال ليَ : استقدم أمامك » ، والقبر والميّت الذي فيه لا يُخبران ، ولكنّ العرب وأهل الحكمة من العجم يجعلون كل دليل قولاً وجواباً ، ألا ترى قول زهير :
أمِنْ اُمّ أوفى دِمنةٌ لم تَكَلَّمِ |
|
بِحومانةِ الدّراجِ فالمُتَثَلِّمِ |
وإنّما كلامها عنده أن تبيّن ما يُرى من الآثار فيها عن قدم العهد بأهلها.
ومن كلام بعض الحكماء : هلّا وقفت على تلك الجنان والحيطان فقلتَ : أيّتها الجنان ، أين من شقّ أنهارك ، وغرس أشجارك ، وجنى ثمارك ؟ فإن لم تجبك حِواراً أجابتك اعتباراً (١).
الناس في الجاهلية كانت تستجير بالقبور بمكان أهلها ومقامهم عند الناس ، وجاء الإسلام فنهى عن زيارتها ، ثم أمر بها.
فإمّا عن جهل تقولون ، وإمّا عن عمد ، فإن كان عن جهل فلا عتب !
___________________________________
١ ـ شرح النهج : ١٠ / ٢٧٤ ، ط ١.