لا تُشدّ الرحال إلى مسجدٍ من المساجد إلّا إلى هذه الثلاثة ، لأنّ هذا الاستثناء مفرغ قد حذف فيه المستثنى منه ، وكما يمكن تقديره : لا تشدّ الرحال إلى مكان يمكن تقديره إلى مسجد ، لكنّ الثاني هو المتعيّن ؛ لأنّ ذلك هو المفهوم عرفاً من أمثال هذه العبارة ، وللاتفاق على جواز السفر وشدّ الرحال إلى أي مكان كان للتجارة وطلب العلم والجهاد وزيارة العلماء والصلحاء والتداوي والنزهة والولاية والقضاء ، وغير ذلك ممّا لا يحصى.
ولو قيل : إنّ هذا خُصِّص بالدليل للزم تخصيص الأكثر ، وهو غير جائز ، كما تقرر في الاُصول.
والحاصل : أنّه لا يشكّ مَن عنده أدنى
معرفةٍ في أنّ المراد بقوله : « لا تشدّ الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد » ، أو « إنّما يسافر إلى ثلاثة مساجد » أنّه لا يسافر إلى غيرها من المساجد ، لا أنّه لا يسافر إلى مكان مطلقاً ، على أنّه لا يفهم من هذه الأحاديث حرمة السفر إلى باقي المساجد ، بل هي ظاهرة في أفضلية هذه المساجد على ما عداها ، بحيث بلغ من فضلها أن تستحقّ شدّ الرحال والسفر إليها للصلاة فيها ، فإنّها لا تشدّ الرحال وتركب الأسفار وتتحمّل المشاقّ إلّا للاُمور المهمّة ، لا أنّ من سافر للصلاة في مسجدٍ طلباً لإحراز فضيلة الصلاة فيه يكون عاصياً وآثماً ، وكيف تكون آثماً من يسافر إلى ما هو طاعة وعبادة ؟ فالمسجد ببعده لم يخرج عن المسجدية ، والصلاة فيه لم تخرج عن كونها طاعة وعبادة ؛ إذ هو مسجد لكل أحد فكيف يعقل أن يكون السفر للصلاة فيه إثماً