فلما قال : « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » خرجت العواتق من خدورهنّ ، وقالوا : « بعث رسول الله صلىاللهعليهوآله ! فما رُؤي بالمدينة بعده صلىاللهعليهوآله أكثر باكياً وباكيةً من ذلك اليوم.
قال : وقال الحافظ عبدالغني وغيره : لم يؤذّن بلال بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله إلّا مرّةً واحدةً في قدومه المدينة لزيارة قبر النبيّ صلىاللهعليهوآله. وقال : قال السبكي : ليس اعتمادنا على رؤيا المنام فقط ، بل على فعل بلال ، سيّما في خلافة عمر والصحابة متوافرون ، ولا تخفى عنهم هذه القصة ، ورؤيا بلال النبيّ صلىاللهعليهوآله مؤكّدة لذلك.
قال : وقد استفاض عن عمر بن عبد العزيز أنّه كان يُبرد البريد من الشام يقول : سلِّم لي على رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وذلك في زمن صدر التابعين.
وممّن ذكر ذلك عنه : الإمام أبو بكر بن عمرو بن عاصم النبيل ـ ووفاته في المائة الثالثة ـ قال في مناسكه : وكان عمر بن عبدالعزيز يبعث بالرسول قاصداً من الشام إلى المدينة ليُقرئ النبيّ صلىاللهعليهوآله السلام ، ثم يرجع.
قال : وفي فتوح الشام : أنّ عمر لمّا صالح أهل بيت المقدس وقدم عليه كعب الأحبار وأسلم وفرح بإسلامه قال له : هل لك أن تسير معي إلى المدينة وتزور قبر النبيّ صلىاللهعليهوآله وتتمتّع بزيارته ؟ فقال : نعم ، ولمّا قدم عمر المدينة كان أول ما بدأ بالمسجد ، وسلّم على رسول الله صلىاللهعليهوآله.
وقال في موضع آخر (١) : كانت الصحابة يقصدون النبيّ صلىاللهعليهوآله قبل وفاته للزيارة ، وهو صلىاللهعليهوآله حيّ في الدارين ، بل روى أحمد بإسنادين أحدهما
___________________________________
١ ـ المصدر السابق : ٢ / ٤١٧.