واعترضه ابن إدريس هنا فقال : ان أراد بذلك أنهما افترقا قبل التقابض في المجلس ، فلا يصح ذلك ولا يجوز بغير خلاف ، لان الصرف لا يصح أن يفترقا من المجلس الا بعد التقابض ، وان افترقا قبل أن يتقابضا بطل البيع والصرف ، وان أراد أنهما تقاولا على السعر ، وعينا الدراهم المبتاعة والدنانير المبيعة وتعاقد البيع ولم يوازنه ولا ناقده ، بل نطق البائع بمبلغ المبيع ثم تقابضا قبل التفرق والانتقال من المجلس كان ذلك جائزا صحيحا ، وان أراد الأول كان باطلا بلا خلاف ، يدل عليه قوله في المبسوط تصح الإقالة في جميع السلم وبعضه ، فإن أقاله من الجميع بريء المسلم اليه من المسلم فيه ، ولزمه رد ما قبضه من رأس المال ان كان قائما ، وان كان تالفا لزمه مثله ، فان تراضيا بقدر بدله من جنس آخر بأن يأخذ الدراهم بدل الدنانير أو بالعكس كان جائزا ، فإن أخذ الدنانير بدل الدراهم أو بالعكس وجب التقابض في المجلس ، لانه صرف ، وان أخذ عوضا آخر جاز أن يفارقه قبل القبض ، لانه بيع عوض معين بثمن في الذمة. انتهى.
أقول : ما ذكره ابن إدريس جيد على مقتضى أصله الغير الأصيل ، والا فأي مانع من ذلك بعد دلالة الأخبار عليه ، واستثناء ذلك من قاعدة العرف بالاكتفاء بهذا الكلام بينهما من حيث اتحاد من عليه الحق ، فيكون كالتقابض ، وربما حمل كلام الشيخ المذكور على التوكيل ، وكذلك الخبران المذكوران ، فان قوله حول الدراهم الى الدنانير ، أو الدنانير الى الدراهم نوع توكيل ، وحينئذ فلا اشكال وان لم يتقابضا في المجلس.
قال في المسالك : وربما بنوا حكمهم على مقدمات يلزم من صحتها صحة الحكم هنا ، الاولى ـ ان الأمر بالتحويل توكيل في تولى طرفي العقد ، فان التوكيل لا ينحصر في اللفظ ، الثانية ـ أنه يصح تولى طرفي العقد من الواحد.
الثالثة ـ أنه يصح أيضا تولية طرفي العقد. الرابعة ـ ان ما في الذمة مقبوض.
الخامسة ـ ان بيع ما في الذمة للغير من الدين الحال بثمن في ذمته ليس بيع دين بدين.