الحاكم ، ولذلك كان من أسمائه تعالى : الحكم ، ولم يكن منها : الحاكم. وانتصب (حَكَماً) على الحال.
والمعنى : لا أطلب حكما بيني وبينكم غير الله الّذي حكم حكمه عليكم بأنّكم أعداء مقترفون.
وتقدّم الكلام على الابتغاء عند قوله تعالى : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ) في سورة آل عمران [٨٣].
وقوله : (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً) من تمام القول المأمور به. والواو للحال أي لا أعدل عن التّحاكم إليه. وقد فصّل حكمه بإنزال القرآن إليكم لتتدبّروه فتعلموا منه صدقي ، وأنّ القرآن من عند الله. وقد صيغت جملة الحال على الاسميّة المعرّفة الجزأين لتفيد القصر مع إفادة أصل الخبر. فالمعنى : والحال أنّه أنزل إليكم الكتاب ولم ينزله غيره ، ونكتة ذلك أنّ في القرآن دلالة على أنّه من عند الله بما فيه من الإعجاز ، وبأمّيّة المنزّل عليه. وأنّ فيه دلالة على صدق الرّسول عليه الصلاة والسلام تبعا لثبوت كونه منزّلا من عند الله ، فإنّه قد أخبر أنّه أرسل محمّدا صلىاللهعليهوسلم للنّاس كافّة ، وفي تضاعيف حجج القرآن وأخباره دلالة على صدق من جاء به ؛ فحصل بصوغ جملة الحال على صيغة القصر الدّلالة على الأمرين : أنّه من عند الله ، والحكم للرسول عليه الصّلاة والسّلام بالصّدق.
والمراد بالكتاب القرآن ، والتعريف للعهد الحضوري ، والضمير في (إِلَيْكُمُ) خطاب للمشركين ، فإنّ القرآن أنزل إلى النّاس كلّهم للاهتداء به ، فكما قال الله : (بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) [النساء : ١٦٦] قال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) [النساء : ١٧٤] وفي قوله : (إِلَيْكُمُ) هنا تسجيل عليهم بأنّه قد بلّغهم فلا يستطيعون تجاهلا.
والمفصّل المبيّن. وقد تقدّم ذكر التّفصيل عند قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) في هذه السورة [٥٥].
وجملة (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ) معطوفة على القول المحذوف ، فتكون استئنافا مثله ، أو معطوفة على جملة (أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي) أو على جملة (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ) ، فهو عطف تلقين عطف به الكلام المنسوب إلى الله على الكلام