استثني منه قوله : (إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي إلّا بالحالة التي هي أحسن ، فاسم الموصول صفة لموصوف محذوف يقدّر مناسبا للموصول الذي هو اسم للمؤنّث ، فيقدر بالحالة أو الخصلة.
والباء للملابسة ، أي إلّا ملابسين للخصلة أو الحالة التي هي أحسن حالات القرب ، ولك أن تقدّره بالمرّة من : (تَقْرَبُوا) أي إلّا بالقربة التي هي أحسن. وقد التزم حذف الموصوف في مثل هذا التّركيب واعتباره مؤنّثا يجري مجرى المثل ، ومنه قوله تعالى : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) [المؤمنون : ٩٦] أي بالخصلة الحسنة ادفع السيّئة ، ومن هذا القبيل أنّهم أتوا بالموصول مؤنّثا وصفا لمحذوف ملتزم الحذف وحذفوا صلته أيضا في قولهم في المثل : «بعد اللّتيّا والتي» ، أي بعد الدّاهية الحقيرة والدّاهية الجليلة كما قال سلميّ بن ربيعة الضبّي :
ولقد رأبت ثأى العشيرة بينها |
|
وكفيت جانبها اللّتيّا والتي |
و (أَحْسَنُ) اسم تفضيل مسلوب المفاضلة ، أي الحسنة ، وهي النّافعة التي لا ضرّ فيها لليتيم ولا لماله. وإنّما قال هنا : (وَلا تَقْرَبُوا) تحذيرا من أخذ ماله ولو بأقلّ أحوال الأخذ لأنّه لا يدفع عن نفسه ، ولذلك لم يقل هنا : (وَلا تَأْكُلُوا) كما قال في سورة البقرة [١٨٨] : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ).
والأشدّ : اسم يدلّ على قوّة الإنسان ، وهو مشتقّ من الشدّ وهو التوثّق ، والمراد به في هذه الآية ونظائرها ، ممّا الكلام فيه على اليتيم ، بلوغه القوّة التي يخرج بها من ضعف الصّبا ، وتلك هي البلوغ مع صحّة العقل ، لأنّ المقصود بلوغه أهليّة التصرّف في ماله. وما منع الصّبي من التصرّف في المال إلّا لضعف في عقله بخلاف المراد منه في أوصاف الرّجال فإنّه يعنى به بلوغ الرجل منتهى حدّ القوّة في الرّجال وهو الأربعون سنة إلى الخمسين قال تعالى : (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) [الأحقاف : ١٥] وقال سحيم بن وثيل:
أخو خمسين مجتمع أشدّي |
|
ونجّذني مداورة الشّئون |
والبلوغ : الوصول ، وهو هنا مجاز في التدرّج في أطوار القوّة المخرجة من وهن الصّبا.
و (حَتَّى) غاية للمستثنى : وهو القربان بالتي هي أحسن ، أي التصرّف فيه إلى أن