وعن أبي عليّ الفارسي : أنّ قياس قول سيبويه أن تحمل (أنّ) ، أي تعلّق على قوله: (فَاتَّبِعُوهُ) ، والتّقدير : ولأنّ هذا صراطي مستقيما فاتّبعوه ، على قياس قول سيبويه في قوله تعالى : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) [قريش : ١]. وقال في قوله تعالى : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) [الجن : ١٨] المعنى : ولأنّ المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا اه.
ف (أَنَ) مدخولة للام التّعليل محذوفة على ما هو المعروف من حذفها مع (أنّ) و (أن). وتقدير النّظم : واتّبعوا صراطي لأنّه صراط مستقيم ، فوقع تحويل في النّظم بتقدير التّعليل على الفعل الذي حقّه أن يكون معطوفا ، فصار التّعليل معطوفا لتقديمه ليفيد تقديمه تفرّع المعلّل وتسبّبه ، فيكون التّعليل بمنزلة الشّرط بسبب هذا التّقديم ، كأنّه قيل : لمّا كان هذا صراطي مستقيما فاتّبعوه.
وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف : وإن ـ بكسر الهمزة وتشديد النّون ـ فلا تحويل في نظم الكلام ، ويكون قوله : (فَاتَّبِعُوهُ) تفريعا على إثبات الخبر بأنّ صراطه مستقيم. وقرأ ابن عامر ، ويعقوب : «وأن» ـ بفتح الهمزة وسكون النّون ـ على أنّها مخفّفة من الثّقيلة واسمها ضمير شأن مقدر والجملة بعده خبره ، والأحسن تخريجها بكون (أَنَ) تفسيرية معطوفة على : (أَلَّا تُشْرِكُوا) [الأنعام : ١٥١]. ووجه إعادة (أَنَ) اختلاف أسلوب الكلام عمّا قبله.
والإشارة إلى الإسلام : أي وأنّ الإسلام صراطي ؛ فالإشارة إلى حاضر في أذهان المخاطبين من أثر تكرّر نزول القرآن وسماع أقوال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام ، بحيث عرفه النّاس وتبيّنوه ، فنزّل منزلة المشاهد ، فاستعمل فيه اسم الإشارة الموضوع لتعيين ذات بطريق المشاهدة مع الإشارة ، ويجوز أن تكون الإشارة إلى جميع التّشريعات والمواعظ التي تقدّمت في هذه السّورة ، لأنّها صارت كالشّيء الحاضر المشاهد ، كقوله تعالى : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) [آل عمران : ٤٤].
والصّراط : الطّريق الجادة الواسعة ، وقد مرّ في قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة : ٦] والمراد الإسلام كما دلّ عليه قوله في آخر السّورة : (قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً) [الأنعام : ١٦١] لأنّ المقصود منها تحصيل الصّلاح في الدّنيا والآخرة فشبّهت بالطّريق الموصل السّائر فيه إلى غرضه ومقصده.
ولمّا شبّه الإسلام بالصّراط وجعل كالشّيء المشاهد صار كالطّريق الواضحة البيّنة فادّعي أنّه مستقيم ، أي لا اعوجاج فيه لأنّ الطّريق المستقيم أيسر سلوكا على السائر