وأسرع وصولا به.
والياء المضاف إليها (صراط) تعود على الله ، كما بيّنه قوله : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللهِ) [الشورى : ٥٢ ، ٥٣] على إحدى طريقتين في حكاية القول إذا كان في المقول ضمير القائل أو ضمير الآمر بالقول ، كما تقدّم عند قوله تعالى : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) في سورة العقود [١١٧] ، وقد عدل عن طريقة الغيبة ، التي جرى عليها الكلام من قوله : (ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ) [الأنعام : ١٥١] لغرض الإيماء إلى عصمة هذا الصّراط من الزلل ، لأنّ كونه صراط الله يكفي في إفادة أنّه موصل إلى النّجاح ، فلذلك صحّ تفريع الأمر باتّباعه على مجرّد كونه صراط الله. ويجوز عود الياء إلى النّبيء المأمور بالقول ، إلّا أنّ هذا يستدعي بناء التّفريع بالأمر باتّباعه على ادّعاء أنّه واضح الاستقامة ، وإلّا فإنّ كونه طريق النّبيء لا يقتضي تسبّب الأمر باتّباعه عنه بالنّسبة إلى المخاطبين المكذّبين.
وقوله : (مُسْتَقِيماً) حال من اسم الإشارة ، وحسّن وقوعه حالا أنّ الإشارة بنيت على ادّعاء أنّه مشاهد ، فيقتضي أنّه مستحضر في الذّهن بمجمل كلياته وما جرّبوه منه وعرفوه ، وأنّ ذلك يريهم أنّه في حال الاستقامة كأنّه أمر محسوس ، ولذلك كثر مجيء الحال من اسم الإشارة نحو : (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) [هود : ٧٢] ولم يأتوا به خبرا.
والسبل : الطّرق ، ووقوعها هنا في مقابلة الصّراط المستقيم يدلّ على صفة محذوفة ، أي السّبل المتفرّقة غير المستقيمة ، وهي التي يسمّونها : بنيات الطّريق ، وهي طرق تتشعّب من السبيل الجادّة ذاهبة ، يسلكها بعض المارّة فرادى إلى بيوتهم أو مراعيهم فلا تبلغ إلى بلد ولا إلى حيّ ، ولا يستطيع السّير فيها إلّا من عقلها واعتادها ، فلذلك سبب عن النّهي قوله : (فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) ، أي فإنّها طرق متفرّقة فهي تجعل سالكها متفرّقا عن السّبيل الجادّة ، وليس ذلك لأنّ السّبيل اسم للطّريق الضيقة غير الموصّلة ، فإنّ السّبيل يرادف الصّراط ألا ترى إلى قوله : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي) [يوسف : ١٠٨] ، بل لأنّ المقابلة والإخبار عنها بالتّفرق دلّ على أنّ المراد سبل خاصّة موصوفة بغير الاستقامة.
والباء في قوله : (بِكُمْ) للمصاحبة : أي فتتفرّق السّبل مصاحبة لكم ، أي تتفرّقون مع تفرّقها ، وهذه المصاحبة المجازية تجعل الباء بمنزلة همزة التّعدية كما قاله النّحاة ، في نحو : ذهبت بزيد ، أنّه بمعنى أذهبته ، فيكون المعنى فتفرّقكم عن سبيله ، أي لا تلاقون سبيلَه.