وأنّا كنّا غافلين عن اتباع رشدهم لأنّا لم نتعلم ، فالدّراسة مراد بها التعليم.
والدّراسة : القراءة بمعاودة للحفظ أو للتّأمّل ، فليس سرد الكتاب بدراسة. وقد تقدّم قوله تعالى : (وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ) في هذه السّورة [١٠٥] ، وتقدّم تفصيله عند قوله تعالى: (وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) من سورة آل عمران [٧٩].
والغفلة : السّهو الحاصل من عدم التفطّن ، أي لم نهتمّ بما احتوت عليه كتبهم فنقتدي بهديها ، فكان مجيء القرآن منبها لهم للهدي الكامل ومغنيا عن دراسة كتبهم.
وقوله : (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) تدرّج في الاعتلال جاء على ما تكنّه نفوس العرب من شفوفهم بأنفسهم على بقيّة الأمم ، وتطلّعهم إلى معالي الأمور ، وإدلالهم بفطنتهم وفصاحة ألسنتهم وحدّة أذهانهم وسرعة تلقّيهم ، وهم أخلقاء بذلك كلّه.
وفي الإعراب عن هذا الاعتلال منهم تلقين لهم ، وإيقاظ لأفهامهم أن يغتبطوا بالقرآن ، ويفهموا ما يعود عليهم به من الفضل والشّرف بين الأمم ، كقوله تعالى : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [الأنبياء : ١٠]. وقد كان الذين اتّبعوا القرآن أهدى من اليهود والنّصارى ببون بعيد الدّرجات.
ولقد تهيّأ المقام بعد هذا التّنبيه العجيب لفاء الفصيحة في قوله : (فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) وتقديرها : فإذا كنتم تقولون ذلك ويهجس في نفوسكم فقد جاءكم بيان من ربّكم يعني القرآن ، يدفع عنكم ما تستشعرون من الانحطاط عن أهل الكتاب.
والبيّنة ما به البيان وظهور الحقّ. فالقرآن بيّنة على أنّه من عند الله لإعجازه بلغاء العرب ، وهو هدي بما اشتمل عليه من الإرشاد إلى طرق الخير ، وهو رحمة بما جاء به من شريعة سمحة لا حرج فيها ، فهي مقيمة لصلاح الأمّة مع التّيسير. وهذا من أعجب التّشريع وهو أدلّ على أنّه من أمر العليم بكلّ شيء.
وتفرّع عن هذا الإعذار لهم الإخبار عنهم بأنّهم لا أظلم منهم ، لأنّهم كذّبوا وأعرضوا. فالفاء في قوله : (فَمَنْ أَظْلَمُ) للتّفريع. والاستفهام إنكاري ، أي لا أحد أظلم من الذين كذّبوا بآيات الله.
و (من) في (مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ) موصولة وما صدقها المخاطبون من قوله : (أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ).