قتلت أنت وأصحابك حلال وما قتل الكلب والصقر حلال وما قتله الله حرام» فوقع في نفس ناس من المسلمين من ذلك شيء وفي «سنن التّرمذي» ، عن ابن عبّاس قال : «أتى أناس النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا : يا رسول الله أنأكل ما نقتل ولا نأكل ما يقتل الله» فأنزل الله : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) [الأنعام : ١١٨] الآية. قال التّرمذي : هذا حديث حسن غريب. فمن هذا ونحوه حذّر الله المسلمين من هؤلاء ، وثبّتهم على أنّهم على الحقّ ، وإن كانوا قليلا. كما تقدّم في قوله : (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) [المائدة : ١٠٠].
والطاعة : اسم للطّوع الّذي هو مصدر طاع يطوع ، بمعنى انقاد وفعل ما يؤمر به عن رضى دون ممانعة ، فالطاعة ضدّ الكره. ويقال : طاع وأطاع ، وتستعمل مجازا في قبول القول ، ومنه ما جاء في الحديث : «فإن هم طاعوا لك بذلك فأخبرهم أنّ الله قد فرض عليهم زكاة أموالهم» ، ومنه قوله تعالى : (وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) [غافر : ١٨] أي يقبل قوله ، وإلّا فإنّ المشفوع إليه أرفع من الشفيع فليس المعنى أنّه يمتثل إليه. والطاعة هنا مستعملة في هذا المعنى المجازي وهو قبول القول.
و (أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ) هم أكثر سكّان الأرض. والأرض : يطلق على جميع الكرة الأرضية الّتي يعيش على وجهها الإنسان والحيوان والنّبات ، وهي الدّنيا كلّها. ويطلق الأرض على جزء من الكرة الأرضيّة معهود بين المخاطبين وهو إطلاق شائع كما في قوله تعالى : (وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ) [الإسراء : ١٠٤] يعني الأرض المقدّسة ، وقوله : (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) [المائدة : ٣٣] أي الأرض الّتي حاربوا الله فيها. والأظهر أنّ المراد في الآية المعنى المشهور وهو جميع الكرة الأرضية كما هو غالب استعمالها في القرآن. وقيل : أريد بها مكّة لأنّها الأرض المعهودة للرّسول عليه الصلاة والسلام. وأيّا ما كان فأكثر من في الأرض ضالّون مضلّون : أمّا الكرة الأرضية فلأنّ جمهرة سكّانها أهل عقائد ضالّة ، وقوانين غير عادلة.
فأهل العقائد الفاسدة : في أمر الإلهيّة : كالمجوس ، والمشركين ، وعبدة الأوثان ، وعبدة الكواكب ، والقائلين بتعدّد الإله ؛ وفي أمر النّبوّة : كاليهود والنّصارى ؛ وأهل القوانين الجائرة من الجميع. وكلّهم إذا أطيع إنّما يدعو إلى دينه ونحلته ، فهو مضلّ عن سبيل الله ، وهم متفاوتون في هذا الضّلال كثرة وقلّة ، واتّباع شرائعهم لا يخلو من ضلال وإن كان في بعضها بعض من الصّواب. والقليل من النّاس من هم أهل هدى ، وهم يومئذ