المسلمون ، ومن لم تبلغهم دعوة الإسلام من الموحّدين الصّالحين في مشارق الأرض ومغاربها الطالبين للحقّ.
وسبب هذه الأكثرية : أنّ الحقّ والهدى يحتاج إلى عقول سليمة ، ونفوس فاضلة ، وتأمّل في الصّالح والضارّ ، وتقديم الحقّ على الهوى ، والرشد على الشّهوة ، ومحبّة الخير للنّاس ؛ وهذه صفات إذا اختلّ واحد منها تطرّق الضّلال إلى النّفس بمقدار ما انثلم من هذه الصّفات. واجتماعها في النّفوس لا يكون إلّا عن اعتدال تامّ في العقل والنّفس ، وذلك بتكوين الله وتعليمه ، وهي حالة الرّسل والأنبياء ، أو بإلهام إلهي كما كان أهل الحقّ من حكماء اليونان وغيرهم من أصحاب المكاشفات وأصحاب الحكمة الإشراقية وقد يسمّونها الذّوق. أو عن اقتداء بمرشد معصوم كما كان عليه أصحاب الرّسل والأنبياء وخيرة أممهم ؛ فلا جرم كان أكثر من في الأرض ضالّين وكان المهتدون قلّة ، فمن اتبعهم أضلّوه.
والآية لم تقتض أنّ أكثر أهل الأرض مضلّون ، لأنّ معظم أهل الأرض غير متصدّين لإضلال النّاس ، بل هم في ضلالهم قانعون بأنفسهم ، مقبلون على شأنهم ؛ وإنّما اقتضت أنّ أكثرهم ، إن قبل المسلم قولهم ، لم يقولوا له إلّا ما هو تضليل ، لأنّهم لا يلقون عليه إلّا ضلالهم. فالآية تقتضي أنّ أكثر أهل الأرض ضالّون بطريق الالتزام لأنّ المهتدي لا يضلّ متبعه وكلّ إناء يرشح بما فيه. وفي معنى هذه الآية قوله تعالى في آية [١٠٠] سورة العقود : (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ).
واعلم أنّ هذا لا يشمل أهل الخطأ في الاجتهاد من المسلمين ، لأنّ المجتهد في مسائل الخلاف يتطلّب مصادفة الصّواب باجتهاده ، بتتبع الأدلة الشرعية ولا يزال يبحث عن معارض اجتهاده وإذا استبان له الخطأ رجع عن رأيه ، فليس في طاعته ضلال عن سبيل الله لأنّ من سبيل الله طرق النّظر والجدل في التفقّه في الدّين.
وقوله : (يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) تمثيل لحال الدّاعي إلى الكفر والفساد من يقبل قوله ، بحال من يضلّ مستهديه إلى الطريق ، فينعت له طريقا غير الطّريق الموصّلة ، وهو تمثيل قابل لتوزيع التّشبيه : بأنّ يشبّه كلّ جزء من أجزاء الهيئة المشبّهة بجزء من أجزاء الهيئة المشبّه بها ، وإضافة السبيل إلى اسم الله قرينة على الاستعارة ، وسبيل الله هو أدلّة الحقّ ، أو هو الحقّ نفسه.
ثمّ بيّن الله سبب ضلالهم وإضلالهم : بأنّهم ما يعتقدون ويدينون إلّا عقائد ضالّة ،