الفساد ، فصار في نور يمشي به في النّاس. وقد تبيّن بهذا التّمثيل تفضيل أهل استقامة العقول على أضدادهم.
والباء في قوله : (يَمْشِي بِهِ) باء السّببيّة. والنّاس المصرح به في الهيئة المشبه بها هم الأحياء الّذين لا يخلو عنهم المجتمع الإنساني. والنّاس المقدّر في الهيئة المشبهة هم رفقاء المسلم من المسلمين. وقد جاء المركب التّمثيلي تاما صالحا لاعتبار تشبيه الهيئة بالهيئة ، ولاعتبار تشبيه كلّ جزء من أجزاء الهيئة المشبّهة بجزء من أجزاء الهيئة المشبّه بها ، كما قد علمته وذلك أعلى التّمثيل.
وجملة : (لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) حال من الضّمير المجرور بإضافة (مثل) ، أي ظلمات لا يرجى للواقع فيها تنوّر بنور ما دام في حالة الإشراك.
وجملة : (كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) استئناف بياني ، لأنّ التّمثيل المذكور قبلها يثير في نفس السّامع سؤالا ، أن يقول : كيف رضوا لأنفسهم البقاء في هذه الضّلالات ، وكيف لم يشعروا بالبون بين حالهم وحال الّذين أسلموا ؛ فإذا كانوا قبل مجيء الإسلام في غفلة عن انحطاط حالهم في اعتقادهم وأعمالهم ، فكيف لمّا دعاهم الإسلام إلى الحقّ ونصب لهم الأدلّة والبراهين بقوا في ضلالهم لم يقلعوا عنه وهم أهل عقول وفطنة فكان حقيقا بأن يبيّن له السّبب في دوامهم على الضّلال ، وهو أنّ ما عملوه كان تزيّنه لهم الشّياطين ، هذا التّزيين العجيب ، الّذي لو أراد أحد تقريبه لم يجد ضلالا مزيّنا أوضح منه وأعجب فلا يشبّه ضلالهم إلّا بنفسه على حدّ قولهم : (والسّفاهة كاسمها).
واسم الإشارة في قوله : (كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ) مشار به إلى التّزيين المأخوذ من فعل (زُيِّنَ) أي مثل ذلك التّزيين للكافرين العجيب كيدا ودقّة زيّن لهؤلاء الكافرين أعمالهم على نحو ما تقدّم في قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) في سورة البقرة [١٤٣].
وحذف فاعل التّزيين فبني الفعل للمجهول : لأنّ المقصود وقوع التّزيين لا معرفة من أوقعه. والمزيّن شياطينهم وأولياؤهم ، كقوله : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) [الأنعام : ١٣٧] ، ولأنّ الشّياطين من الإنس هم المباشرون للتّزيين ، وشياطين الجنّ هم المسوّلون المزيّنون. والمراد بالكافرين المشركون الّذين الكلام عليهم في الآيات السّابقة إلى قوله : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ) [الأنعام :