وقوله : (وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا) استسلام لله ، أي : انقضى زمن الإمهال ، وبلغنا الأجل الذي أجّلت لنا للوقوع في قبضتك ، فسدّت الآن دوننا المسالك فلا نجد مفرّا. وفي الكلام تحسّر وندامة. عند ظهور عدم إغناء أوليائهم عنهم شيئا ، وانقضاء زمن طغيانهم وعتوّهم ، ومحين حين أن يلقوا جزاء أعمالهم كقوله : (وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ) [النور : ٣٩].
وقد أفادت الآية : أنّ الجنّ المخاطبين قد أفحموا ، فلم يجدوا جوابا ، فتركوا أولياءهم يناضلون عنهم ، وذلك مظهر من مظاهر عدم إغناء المتبوعين عن أتباعهم يومئذ (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) [البقرة : ١٦٦].
وجملة : (قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ) فصلت عن الّتي قبلها على طريقة القول في المحاورة ، كما تقدّم عند قوله تعالى : (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) في سورة البقرة [٣٠].
وضمير الخطاب في قوله : (النَّارُ مَثْواكُمْ) موجّه إلى الإنس فإنّهم المقصود من الآية ، كما في قوله تعالى : (بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) [سبأ : ٤١ ، ٤٢] وقوله : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [هود : ١١٩].
ومجيء القول بصيغة الماضي : للتّنبيه على تحقيق وقوعه وهو مستقبل بقرينة قوله : (يَحْشُرُهُمْ) كما تقدّم. وإسناده إلى الغائب نظر لما وقع في كلام الأولياء : (رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ) إلخ.
والمثوى : اسم مكان من ثوى بالمكان إذا أقام به إقامة سكنى أو إطالة مكث ، وقد بيّن الثّواء بالخلود بقوله : (خالِدِينَ فِيها).
وقوله : (خالِدِينَ فِيها) هو من تمام ما يقال لهم في الحشر لا محالة ، لأنّه منصوب على الحال من ضمير مثواكم ، فلا بدّ أن يتعلّق بما قبله.
وأمّا قوله : (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) فظاهر النظم أنّه من تمام ما يقال لهم. لأنّ الأصل في الاستثناء أن يكون إخراجا ممّا قبله من الكلام. ويجوز أن يكون من مخاطبة الله لرسولهصلىاللهعليهوسلم ، وقع اعتراضا بين ما قصّه عليه من حال المشركين وأوليائهم يوم الحشر ، وبين قوله له : (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) ويكون الوقف على قوله : (خالِدِينَ فِيها).