وَالْمَرْجانُ) [الرحمن : ٢٢] وإنما يخرج اللؤلؤ والمرجان من البحر الملح. فأمّا مؤاخذة الجنّ بمخالفة الرّسل فقد يخلق الله في الجنّ إلهاما بوجوب الاستماع إلى دعوة الرّسل والعمل بها ، كما يدلّ عليه قوله تعالى في سورة الجنّ : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ ـ فَقالُوا ـ إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً) [الجن : ١] الآية ، وقال في سورة الأحقاف [٣٠ ، ٣١] : (قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) ذلك أن الظواهر تقتضي أنّ الجنّ لهم اتّصال بهذا العالم واطّلاع على أحوال أهله : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) [الأعراف : ٢٧] فضعف قول من قال بوجود رسل من الجنّ إلى جنسهم ، ونسب إلى الضحاك ، ولذلك فقوله : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ) مصروف عن ظاهره من شموله الإنس والجنّ ، ولم يرد عن النّبيء صلىاللهعليهوسلم ما يثبت به أنّ الله أرسل رسلا من الجنّ إلى جنسهم ، ويجوز أن يكون رسل الجنّ طوائف منهم يستمعون إلى الأنبياء ويفهمون ما يدعون إليه ويبلّغون ذلك إلى أقوامهم ، كما تقتضيه الآية في سورة الأحقاف ؛ فمؤاخذة الجنّ على الإشراك بالله يقتضيها بلوغ توحيد الله إلى علمهم لأنّ أدلّة الوحدانيّة عقليّة لا تحتاج إلّا إلى ما يحرّك النّظر. فلمّا خلق الله للجنّ علما بما تجيء به رسل الله من الدّعاء إلى النّظر في التّوحيد فقد توجّهت عليهم المؤاخذة بترك الإيمان بوحدانيّة الله تعالى فاستحقّوا العذاب على الإشراك دون توقف على توجيه الرّسل دعوتهم إليهم.
ومن حسن عبارات أئمّتنا أنّهم يقولون : الإيمان واجب على من بلغته الدّعوة ، دون أن يقولوا : على من وجّهت إليه الدّعوة. وطرق بلوغ الدّعوة عديدة ، ولم يثبت في القرآن ولا في صحيح الآثار أنّ النّبيء محمّدا صلىاللهعليهوسلم ، ولا غيره من الرّسل ، بعث إلى الجنّ لانتفاء الحكمة من ذلك ، ولعدم المناسبة بين الجنسين ، وتعذّر تخالطهما ، وعن الكلبي أنّ محمّداصلىاللهعليهوسلم بعث إلى الإنس والجنّ ، وقاله ابن حزم ، واختاره أبو عمر ابن عبد البرّ ، وحكى الاتّفاق عليه : فيكون من خصائص النّبيء محمّد صلىاللهعليهوسلم تشريفا لقدره. والخوض في هذا ينبغي للعالم أن يربأ بنفسه عنه لأنّه خوض في أحوال عالم لا يدخل تحت مدركاتنا ، فإنّ الله أنبأنا بأنّ العوالم كلّها خاضعة لسلطانه. حقيق عليها طاعته ، إذا كانت مدركة صالحة للتكليف.
والمقصود من الآية الّتي نتكلّم عليها إعلام المشركين بأنّهم مأمورون بالتّوحيد