والإسلام وأنّ أولياءهم من شياطين الإنس والجن غير مفلتين من المؤاخذة على نبذ الإسلام. بله أتباعهم ودهمائهم. فذكر الجنّ مع الإنس في قوله : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) يوم القيامة لتبكيت المشركين وتحسيرهم على ما فرط منهم في الدّنيا من عبادة الجنّ أو الالتجاء إليهم ، على حدّ قوله تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ) [الفرقان : ١٧] وقوله : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) [المائدة : ١١٦].
والقصّ كالقصص : الإخبار ، ومنه القصّة للخبر ، والمعنى : يخبرونكم الأخبار الدالّة على وحدانيّة الله وأمره ونهيه ووعده ووعيده ، فسمّى ذلك قصّا ؛ لأنّ أكثره أخبار عن صفات الله تعالى وعن الرّسل وأممهم وما حلّ بهم وعن الجزاء بالنّعيم أو العذاب. فالمراد من الآيات آيات القرآن والأقوال الّتي فيفهمها الجنّ بإلهام ، كما تقدّم آنفا ، ويفهمها الإنس ممّن يعرف العربيّة مباشرة ومن لا يعرف العربيّة بالتّرجمة.
والإنذار : الإخبار بما يخيف ويكره ، وهو ضدّ البشارة ، وتقدّم عند قوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً) في سورة البقرة [١١٩] ، وهو يتعدّى إلى مفعول بنفسه وهو الملقى إليه الخبر ، ويتعدّى إلى الشّيء المخبر عنه : بالباء ، وبنفسه ، يقال : أنذرته بكذا وأنذرته كذا ، قال تعالى : (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى) [الليل : ١٤] ، (فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً) [فصلت : ١٣] ، (وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ) [الشورى : ٧] ولمّا كان اللّقاء يوم الحشر يتضمّن خيرا لأهل الخير وشرّا لأهل الشرّ ، وكان هؤلاء المخاطبون قد تمحّضوا للشرّ ، جعل إخبار الرّسل إيّاهم بلقاء ذلك اليوم إنذارا لأنّه الطّرف الّذي تحقّق فيهم من جملة إخبار الرّسل إيّاهم ما في ذلك اليوم وشرّه. ووصف اليوم باسم الإشارة في قوله : (يَوْمِكُمْ هذا) لتهويل أمر ذلك بما يشاهد فيه ، بحيث لا تحيط العبارة بوصفه ، فيعدل عنها إلى الإشارة كقوله : (هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) [الطور : ١٤].
ومعنى قولهم : (شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا) الإقرار بما تضمّنه الاستفهام من إتيان الرّسل إليهم ، وذلك دليل على أن دخول حرف النّفي في جملة الاستفهام ليس المقصود منه إلّا قطع المعذرة وأنّه أمر لا يسع المسئول نفيه ، فلذلك أجملوا الجواب : (قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا) ، أي أقررنا بإتيان الرّسل إلينا.
واستعملت الشّهادة في معنى الإقرار لأنّ أصل الشّهادة الإخبار عن أمر تحقّقه المخبر وبيّنه ، ومنه : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ)