يطعمها إلّا من نشاء ، فالمعنى : اعتقدوها حراما لغير من عيّنوه ، حتّى أنفسهم ، وما هي بحرام ، فهذا موقع قوله : (بِزَعْمِهِمْ). وتقدّم القول على الباء من قوله : (بِزَعْمِهِمْ) آنفا عند قوله تعالى : (فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ) [الأنعام : ١٣٦].
والصّنف الثّاني : أنعام حرّمت ظهورها ، أي حرّم ركوبها ، منها الحامي : لا يركبه أحد ، وله ضابط متّبع كما تقدّم في سورة المائدة ، ومنها أنعام يحرّمون ظهورها ، بالنّذر ، يقول أحدهم : إذا فعلت النّاقة كذا من نسل أو مواصلة بين عدة من إناث ، وإذا فعل الفحل كذا وكذا ، حرم ظهره. وهذا أشار إليه أبو نواس في قوله مادحا الأمين :
وإذا المطيّ بنا بلّغن محمدا |
|
فظهورهن على الرجال حرام |
فقوله : (وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها) معطوف على : (أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ) فهو كخبر عن اسم الإشارة. وعلم أنّه عطف صنف لوروده بعد استيفاء الأوصاف الّتي أجريت على خبر اسم الإشارة والمعطوف عليه عقبه. والتّقدير : وقالوا هذه أنعام وحرث حجر وهذه أنعام حرّمت ظهورها وبني فعل : (حُرِّمَتْ) للمجهول : لظهور الفاعل ، أي حرّم الله ظهورها بقرينة قوله : (افْتِراءً عَلَيْهِ).
والصّنف الثّالث : أنعام لا يذكرون اسم الله عليها ، أي لا يذكرون اسم الله عند نحرها أو ذبحها ، يزعمون أنّ ما أهدي للجنّ أو للأصنام يذكر عليه اسم ما قرّب له ، ويزعمون أنّ الله أمر بذلك لتكون خالصة القربان لما عيّنت له ، فلأجل هذا الزعم قال تعالى : (افْتِراءً عَلَيْهِ) إذ لا يعقل أن ينسب إلى الله تحريم ذكر اسمه على ما يقرّب لغيره لو لا أنّهم يزعمون أنّ ذلك من القربان الّذي يرضي الله تعالى ، لأنّه لشركائه ، كما كانوا يقولون : «لبيك لا شريك لك ، إلّا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك».
وعن جماعة من المفسّرين ، منهم أبو وائل (١) ، الأنعام التي لا يذكرون اسم الله عليها كانت لهم سنّة في بعض الأنعام أن لا يحجّ عليها ، فكانت تركب في كلّ وجه إلّا الحجّ ، وأنّها المراد بقوله : (وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا) لأنّ الحجّ لا يخلو من ذكر الله حين الكون على الرّاحلة من تلبية وتكبير ، فيكون : (لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا)
__________________
(١) الأظهر أنّه شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي من أصحاب ابن مسعود توفّي في خلافة عمر بن عبد العزيز ، ويحتمل أنّه عبد الله بن بحير ـ بموحدة مفتوحة فحاء مهملة مكسورة ـ المرادي الصنعاني القاصّ ، وثّقه ابن معين.