والسراب ، أو عند حدوث ضباب أو نحو ذلك ، وإلقاء الله الخيال في نفوس الفريقين أعظم من تلك الأسباب.
وهذه الرؤية قد مضت بقرينة قوله : (إِذِ الْتَقَيْتُمْ) فالتعبير بالمضارع لاستحضار الحالة العجيبة لهاته الإراءة ، كما تقدّم في قوله تعالى : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً) [الأنفال : ٤٣].
و (إِذِ الْتَقَيْتُمْ) ظرف ل (يُرِيكُمُوهُمْ) وقوله : (فِي أَعْيُنِكُمْ) تقييد للإرادة بأنّها في الأعين ، لا غير ، وليس المرئيّ كذلك في نفس الأمر ، ويعلم ذلك من تقييد الإراءة بأنّها في الأعين ، لأنّه لو لم يكن لمقصد لكان مستغنى عنه ، مع ما فيه من الدلالة على أنّ الإراءة بصرية لا حلمية كقوله في الآية الأخرى : ترونهم مثليهم رأي العين [آل عمران:١٣].
والالتقاء افتعال من اللقاء ، وصيغة الافتعال فيه دالّة على المبالغة. واللقاء والالتقاء في الأصل الحضور لدى الغير ، من صديق أو عدوّ ، وفي خير أو شرّ ، وقد كثر إطلاقه على الحضور مع الأعداء في الحرب ، وقد تقدّم عند قوله تعالى في هذه السورة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً) [الأنفال : ١٥] الآية.
(وَيُقَلِّلُكُمْ) يجعلكم قليلا ، لأنّ مادة التفعيل تدلّ على الجعل ، فإذا لم يكن الجعل متعلّقا بذات المفعول ، تعيّن أنّه متعلّق بالإخبار عنه ، كما ورد في الحديث في يوم الجمعة : «وفيه ساعة» ، قال الراوي : يقلّلها ؛ أو متعلق بالإراءة كما هنا ، وذلك هو الذي اقتضى زيادة قوله : (فِي أَعْيُنِهِمْ) ليعلم أنّ التقليل ليس بالنقص من عدد المسلمين في نفس الأمر.
وقوله : (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) هو نظير قوله : (وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) [الأنفال : ٤٢] المتقدم أعيد هنا لأنّه علّة إراءة كلا الفريقين الفريق الآخر قليلا ، وأما السابق فهو علّة لتلاقي الفريقين في مكان واحد في وقت واحد.
ثم إنّ المشركين لما برزوا لقتال المسلمين ظهر لهم كثرة المسلمين فبهتوا ، وكان ذلك بعد المناجزة ، فكان ملقيا الرعب في قلوبهم ، وذلك ما حكاه في سورة آل عمران [١٣] قوله : ترونهم مثليهم رأي العين.
وخولف الأسلوب في حكاية إراءة المشركين ، وحكاية إراءة المسلمين ، لأنّ