الصلاة والسلام طاعة أمرائه في حياته ، لقوله : «ومن أطاع أميري فقد أطاعني» وتشمل طاعة أمراء الجيوش بعد وفاة الرسول صلىاللهعليهوسلم لمساواتهم لأمرائه الغائبين عنه في الغزوات والسرايا في حكم الغيبة عن شخصه.
وأمّا النهي عن التنازع فهو يقتضي الأمر بتحصيل أسباب ذلك : بالتفاهم والتشاور ، ومراجعة بعضهم بعضا ، حتّى يصدروا عن رأي واحد ، فإن تنازعوا في شيء رجعوا إلى أمرائهم لقوله تعالى : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ) [النساء : ٨٣]. وقوله : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) [النساء : ٥٩]. والنهي عن التنازع أعمّ من الأمر بالطاعة لولاة الأمور : لأنّهم إذا نهوا عن التنازع بينهم ، فالتنازع مع ولي الأمر أولى بالنهي.
ولمّا كان التنازع من شأنه أن ينشأ عن اختلاف الآراء ، وهو أمر مرتكز في الفطرة بسط القرآن القول فيه ببيان سيّئ آثاره ، فجاء بالتفريع بالفاء في قوله : (فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) فحذّرهم أمرين معلوما سوء مغبتهما : وهما الفشل وذهاب الريح.
والفشل : انحطاط القوة وقد تقدّم آنفا عند قوله : (وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ) [الأنفال : ٤٣] وهو هنا مراد به حقيقة الفشل في خصوص القتال ومدافعة العدوّ ، ويصحّ أن يكون تمثيلا لحال المتقاعس عن القتال بحال من خارت قوته وفشلت أعضاؤه ، في انعدام إقدامه على العمل. وإنّما كان التنازع مفضيا إلى الفشل ؛ لأنّه يثير التغاضب ويزيل التعاون بين القوم ، ويحدث فيهم أن يتربّص بعضهم ببعض الدوائر ، فيحدث في نفوسهم الاشتغال باتّقاء بعضهم بعضا ، وتوقع عدم الفاء النصير عند مآزق القتال ، فيصرف الأمّة عن التوجّه إلى شغل واحد فيما فيه نفع جميعهم ، ويصرف الجيش عن الإقدام على أعدائهم ، فيتمكّن منهم العدوّ ، كما قال في سورة آل عمران [١٥٢] (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ).
والريح حقيقتها تحرّك الهواء وتموّجه ، واستعيرت هنا للغلبة ، وأحسب أنّ وجه الشبه في هذه الاستعارة هو أنّ الريح لا يمانع جريها ولا عملها شيء فشبه بها الغلب والحكم وأنشد ابن عطية ، لعبيد بن الأبرص :
كما حميناك يوم النعب من شطب |
|
والفضل للقوم من ريح ومن عدد |
وفي «الكشّاف» قال سليك بن السلكة :