ما يفسد إخلاصهم في الجهاد.
وجيء في نهيهم عن البطر والرئاء بطريقة النهي عن التشبّه بالمشركين إدماجا للتشنيع بالمشركين وأحوالهم ، وتكريها للمسلمين تلك الأحوال ، لأنّ الأحوال الذميمة تتّضح مذمتها ، وتنكشف مزيد الانكشاف إذا كانت من أحوال قوم مذمومين عند آخرين ، وذلك أبلغ في النهي ، وأكشف لقبح المنهي عنه. ونظيره قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) [الأنفال : ٢١] وقد تقدّم آنفا. فنهوا عن أن يشبهوا حال المشركين في خروجهم لبدر إذ خرجوا بطرا ورئاء الناس ، لأنّ حقّ كلّ مسلم أن يريد بكلّ قول وعمل وجه الله ، والجهاد من أعظم الأعمال الدينية.
والموصول مراد به جماعة خاصّة ، وهم أبو جهل وأصحابه ، وقد مضى خبر خروجهم إلى بدر ، فإنّهم خرجوا من مكة بقصد حماية غيرهم فلمّا بلغوا الجحفة جاءهم رسول أبي سفيان ، وهو كبير العير يخبرهم أنّ العير قد سلمت ، فقال أبو جهل : «لا نرجع حتّى نقدم بدرا نشرب بها وتعزف علينا القيان ونطعم من حضرنا من العرب حتّى يتسامع العرب بأنّنا غلبنا محمدا وأصحابه». فعبّر عن تجاوزهم الجحفة إلى بدر ، بالخروج لأنّه تكملة لخروجهم من مكة.
وانتصب (بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ) على الحالية ، أي بطرين مراءين ، ووصفهم بالمصدر للمبالغة في تمكّن الصفتين منهم لأنّ البطر والرياء خلقان من خلقهم.
و «البطر» إعجاب المرء بما هو فيه من نعمة ، والاستكبار والفخر بها ، فالمشركون لمّا خرجوا من الجحفة ، خرجوا عجبا بما هم فيه من القوة والجدّة.
«والرئاء» ـ بهمزتين ـ أولاهما أصيلة والأخيرة مبدلة عن الياء لوقوعها متطرفة أثر ألف زائدة. ووزنه فعال مصدر راءى فاعل من الرؤية ويقال : مراءاة ، وصيغة المفاعلة فيه مبالغة ، أي بالغ في إراءة الناس عمله محبّة أن يروه ليفخر عليهم.
و (سَبِيلِ اللهِ) الطريق الموصلة إليه ، وهو الإسلام ، شبّه الدين في إبلاغه إلى رضى الله تعالى ، بالسبيل الموصّل إلى بيت سيّد الحي ليصفح عن وارده أو يكرمه.
وجيء في (يَصُدُّونَ) بصيغة الفعل المضارع للدلالة على حدوث وتجدّد صدّهم الناس عن سبيل الله ، وأنّهم حين خرجوا صادّين عن سبيل الله ومكرّرين ذلك ومجدّدينه. وباعتبار الحدوث كانت الحال مقارنة ، وأمّا التجدّد فمستفاد من المضارعية ولا يجعل