والمعنى : عرفوا بالصبر والمقدرة عليه ، وذلك باستيفاء ما يقتضيه من أحوال الجسد وأحوال النفس ، وفيه إيماء إلى توخّي انتقاء الجيش ، فيكون قيدا للتحريض ، أي : حرّض المؤمنين الصابرين الذين لا يتزلزلون ، فالمقصود أن لا يكون فيهم من هو ضعيف النفس فيفشل الجيش ، كقول طالوت (إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) [البقرة : ٢٤٩].
وذكر في جانب جيش المسلمين في المرّتين عدد العشرين وعدد المائة ، وفي جانب جيش المشركين عدد المائتين وعدد الألف ، إيماء إلى قلّة جيش المسلمين في ذاته ، مع الإيماء إلى أنّ ثباتهم لا يختلف باختلاف حالة عددهم في أنفسهم ، فإنّ العادة أنّ زيادة عدد الجيش تقوي نفوس أهله ، ولو مع كون نسبة عددهم من عدد عدوّهم غير مختلفة ، فجعل الله الإيمان قوّة لنفوس المسلمين تدفع عنهم وهن استشعار قلّة عدد جيشهم في ذاته.
أمّا اختيار لفظ العشرين للتعبير عن مرتبة العشرات دون لفظ العشرة : فلعل وجهه أنّ لفظ العشرين أسعد بتقابل السكنات في أواخر الكلم لأنّ للفظه مائتين من المناسبة بسكنات كلمات الفواصل من السورة ، ولذلك ذكر المائة مع الألف ، لأنّ بعدها ذكر مميز العدد بألفاظ تناسب سكنات الفاصلة ، وهو قوله : (لا يَفْقَهُونَ) فتعيّن هذا اللفظ قضاء لحقّ الفصاحة.
فهذا الخبر كفالة للمسلمين بنصر العدد منهم على عشرة أمثاله ، من عددهم وهو يستلزم وجوب ثبات العدد منهم ، لعشرة أمثاله ، وبذلك يفيد إطلاق الأمر بالثبات للعدوّ الواقع في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا) [الأنفال : ٤٥] ، وإطلاق النهي عن الفرار الواقع في قوله : (فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) [الأنفال : ١٥] الآية كما تقدّم. وهو من هذه الناحية التشريعية حكم شديد شاقّ اقتضته قلّة عدد المسلمين يومئذ وكثرة عدد المشركين ، ولم يصل إلينا أنّ المسلمين احتاجوا إلى العمل به في بعض غزواتهم ، وقصارى ما علمنا أنّهم ثبتوا لثلاثة أمثالهم في وقعة بدر ، فقد كان المسلمون زهاء ثلاثمائة وكان المشركون زهاء الألف ، ثمّ نزل التخفيف من بعد ذلك بالآية التّالية.
والتعريف بالموصول في (الَّذِينَ كَفَرُوا) للإيماء إلى وجه بناء الخير الآتي : وهو سلب الفقاهة عنهم.
والباء في قوله : (بِأَنَّهُمْ) للسببية. أي بعدم فقههم. وإجراء نفي الفقاهة صفة